الخميس، 11 أكتوبر 2018

الشيخ الروحاني محمد الشربيني 00201030804409 علاج العين ......

أَوَّلَا : الْغُسْل لِلْعَائِن وَبَعْض الْمَسَائِل الْمُتَعَلِّقَة بِه : جَاءَت الْأَدِلَّة الْنَّقْلِيَّة الْصَّرِيْحَة تُؤَكِّد عَلَى أَن غُسْل الْعَائِن يَنْفَع بِإِذْن الْلَّه عَز وَجَل بِكُنْه وَكَيْفِيَّة لَا يَعْلَمُهَا إِلَا الَلّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0
فَقَد ثَبَت مِن حَدِيْث أَبِي أُمَامَة بْن سَهْل بْن حُنَيْف - رَضِي الْلَّه عَنْه - قَال : ( مَر عَامِر بْن رَبِيْعَة بِسَهْل بْن حُنَيْف وَهُو يَغْتَسِل ، فَقَال : لَم أَر كَالْيَوْم ، وَلَا جِلْد مُخَبَّأَة 0 فَمَا لَبِث أَن لُبِط بِه 0 فَأَتَى بِه الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَقِيْل لَه : أَدْرَك سَهْلَا صَرِيْعا قَال : ( مِن تَتَّهِمُون بِه ؟ ) قَالُوْا عَامِر بْن رَبِيْعَة 0 قَال : ( عَلَام يَقْتُل أَحَدُكُم أَخَاه ؟ إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن أَخِيْه مَا يُعْجِبُه ، فَلْيَدْع لَه بِالْبَرَكَة ) ثُم دَعَا بِمَاء 0 فَأَمَر عَامِرا أَن يَتَوَضَّأ 0 فَغَسَل وَجْهَه وَيَدَيْه إِلَى الْمِرْفَقَيْن 0 وَرُكْبَتَيْه وَدَاخِلَه إِزَارِه 0 وَأَمَرَه أَن يَصُب عَلَيْه 0 قَال سُفْيَان : قَال مَعْمَر عَن الْزُّهْرِي : وَأَمَرَه أَن يَكْفَأ الْإِنَاء مِن خَلْفِه ) ( صَحِيْح الْجَامِع - 556 ) 0
قَال الْمُنَاوِي " إِذَا رَأَى " أَي عِلْم " أَحَدُكُم مِن نَفْسِه أَو مَالِه أَو مِن أَخِيْه " مِن الْنَّسَب أَو الْإِسْلَام " مَا يُعْجِبُه " أَي مَا يَسْتَحْسِنُه وَيَرْضَاه مِن أَعْجَبَه الْشَّيْء رَضِيَه " فَلْيَدْع لَه بِالْبَرَكَة " نَدْبا بِأَن يَقُوْل الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه وَيُنْدَب أَن يَقُوْل مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ، وَلَا شُبْهَة فِي تَأْثِيْر الْعَيْن فِي الْنُّفُوْس فَضْلَا عَن الْأَمْوَال وَذَلِك لِأَن بَعْض الْنُّفُوْس الْإِنْسَانِيَّة
يُثَبِّت لَهَا قُوَّة هِي مَبْدَأ الْأَفْعَال الْغَرِيْبَة ) ( فَيْض الْقَدِير – 1 / 351 ) 0
ثَانِيَا : الْرُّقَى وَالتَّعَاوِيْذ : إِن الْرُّقَى وَالتَّعَاوِيْذ مِن أَعْظَم مَا يَقِي وَيُزِيْل الْعَيْن قَبِل وَبَعْد وُقُوْعِهَا بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَهُنَاك بَعْض الْآَيَات أَو السُّوَر الَّتِي ثَبَت نَفْعُهَا فِي الرُّقْيَة بِشَكْل عَام ، وَكَذَلِك ثَبَت وَقْعِهَا وَتَأَثِيْرْهَا فِي عِلَاج الْعَيْن بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَقَد تَم ذِكْر ذَلِك مُفَصَّلَا فِي الْصَّفْحَة الْرَّئِيْسِيَّة لِلْمَوْقِع ، تَحْت عُنْوَان ( كَيْف تَقِي وَتُعَالِج نَفْسَك بِالْرُقْيَة الْشَّرْعِيَّة ؟؟؟ ) 0
ثَالِثا : الْوُضُوْء : وَيُسَن لِعِلاج الْعَيْن أَن يُؤْمَر الْعَائِن فَيَتَوَضَّأ ثُم يَغْتَسِل مِنْه الْمَعِين ، لِمَا ثَبَت مِن حَدِيْث عَائِشَة - رَضِي الْلَّه عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَت : ( كَان يُؤْمَر الْعَائِن ، فَيَتَوَضَّأ ، ثُم يَغْتَسِل مِنْه الْمَعِين ) ( صَحِيْح أَبُو دَاوُوْد - 3286 ) 0
قَال مُحَمَّد بْن مُفْلِح تَّعْقِيْبا عَلَى هَذَا الْحَدِيْث وَهَذَا مِن الّطَّب الْشَّرْعِي الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُوْل عِنْد أَهْل الْإِيْمَان 0 وَقَد تَكَلَّم بَعْضُهُم فِي حِكْمَة ذَلِك ، وَمَعْلُوْم أَن ثَم خَوَاص اسْتَأْثَر الْلَّه بِعِلْمِهَا فَلَا يَبْعُد مِثْل هَذَا وَلَا يُعَارِضُه شَيْء ، وَلَا يَنْفَع مِثْل هَذَا إِلَا مَن أَخَذَه بِالْقَبُوْل وَاعْتِقَاد حُسْن ، لَا مَع شَك وَتَجْرِبَة ) ( الْآدَاب الْشَّرْعِيَّة – 3 / 58 ) 0
وَرَوَّى مَالِك - رَحِمَه الْلَّه - أَيَضَا عَن مُحَمَّد بْن أَبِي أُمَامَة بْن سَهْل ، عَن أَبِيْه حَدِيْث الْغُسْل آَنَف الْذِّكْر ، وَقَال فِيْه : ( إِن الْعَيْن حَق ، تَوَضَّأ لَه ، فَتَوَضَّأ لَه ) ( صَحِيْح ابْن مَاجَة – 2828 )
قَال الْقُرْطُبِي أَمْر صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فِي حَدِيْث أَبِي أُمَامَة الْعَائِن بِالِاغْتِسَال لِلْمَعِين ، وَأْمُر هُنَا بِالِاسْتِرْقَاء ، قَال عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا يُسْتَرْقَى مِن الْعَيْن إِذَا لَم يُعْرَف الْعَائِن ، وَأَمَّا إِذَا عُرِف الَّذِي أَصَابَه بِعَيْنِه فَإِنَّه يُؤْمَر بِالْوُضُوء عَلَى حَدِيْث أَبِي إِمَامَة ، وَالْلَّه أَعْلَم ) ( الْجَامِع لَأَحْكَام الْقُرْآَن - 9 / 226 ) 0
رَابِعا : الْدُّعَاء بِالْبَرَكَة : يُسَن إِذَا رَأَى أَحَد مِن أَخِيْه مَا يُعْجِبُه أَن يَدَع لَه بِالْبَرَكَة 0
قَال الْنَّوَوِي - رَحِمَه الْلَّه - وَيُسْتَحَب لِلْعَائِن أَن يَدْعُو لِلْمَعِين بِالْبَرَكَة فَيَقُوْل :" الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه " ، وَأَن يَقُوْل : " مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه " ) ( رَوْضَة الْطَّالِبِيْن – 7 / 200 ) 0
قَال ابْن الْقَيِّم - رَحِمَه الْلَّه - وَإِذَا كَان الْعَائِن يَخْشَى ضَرَر عَيْنِه وَإِصَابَتِهَا لِلْمَعِين ، فَلْيَدْفَع شَرِّهَا بِقَوْلِه : الْلَّهُم بَارِك عَلَيْه كَمَا قَال الْنَّبِي e لِعَامِر بْن رَبِّيَعَه لِمَا عَان سَهْل بْن حُنَيْف : " أَلَّا بَرَكَت " أَي : قُلْت : الْلَّهُم بَارِك عَلَيْه ) ( زَاد الْمَعَاد – 4 / 170 ) 0
قَال الْدَّمِيْرِي وَيُنْدَب لِلْعَائِن أَن يَدْعُو لَه بِالْبَرَكَة – يَعْنِي لِلْمَعِين – فَيَقُوْل : الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه ) ( حَيَاة الْحَيَوَان الْكُبْرَى - 1 / 255 ) 0
يَقُوْل الْشَّيْخ عَبْدُاللَّه بِن عَبْدَالَرّحْمَن الْجُبَّريّن – حَفِظَه الْلَّه – عَن دَلِيْل الْدُّعَاء بِالْبَرَكَة أَمَّا الْتَّبْرِيك فَقَد وَرَد فِي عِدَّة أَحَادِيْث "هَلْا بَرَكَت عَلَيْه" فَمَن خَاف أَن يُصِيُب شَيْئا فَلْيَذْكُر الْلَّه وَلْيَدْع بِالْبَرَكَة حَتَّى لَا يُصَاب الْمَعِيْن ، وَلَا شَك أَن ذِكْر الْلَّه تَعَالَى سَبَب لِلْبَرَكَة وَكَثْرَة الْخَيْر ، وَزَّوَال الْنِّقَم ، وَحُلُوْل الْنِّعَم ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – ص 196 ) 0
خَامِسَا : الْتَّكْبِير ثَلَاثا : وَمِمَّا يَنْفَع فِي عِلَاج الْعَيْن قِيَام الْمَعِيْن بِالتَّكْبِيْر ثَلَاثَا فَإِن ذَلِك يَرُد الْعَيْن بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0
قَال الْشَّيْخ مُحَمَّد الْأَمِيْن الْمُخْتَار الْشِّنْقِيْطِي وَفِي بَعْض الرِّوَايَات لِغَيْر مَالِك : هَلْا كَبُرَت ، أَي يَقُوْل : الْلَّه أَكْبَر ثَلَاثا ، فَإِن ذَلِك يَرُد عَيْن الْعَائِن 0
وَقَال أَيْضا : وَكَذَلِك مَن اتَّهَم أَحَدا بِالْعَيْن 0 فَلْيُكَبِّر ثَلَاثا عِنْد تَخَوُّفَه مِنْه 0 فَإِن الْلَّه يَدْفَع الْعَيْن بِذَلِك وَالْحَمْد لِلَّه ) ( أَضْوَاء الْبَيَان - 650 ، 651 ، 653 ) 0
قَال الْشَّيْخ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم - رَحِمَه الْلَّه - : ( وَيُقَال إِن الْشَّخَص الَّذِي يُخَاف عَلَى نَفْسِه أَو مَالِه مِن عَيْن إِنْسَان أَن يَقُوْل هُو عَلَى نَفْسِه مَا شَاء الْلَّه تَبَارَك الْلَّه ، يَرْفَع بِهَا صَوْتَه يُسْمِع الشَّخْص الَّذِي خَاف مِنْه أَو يُكَبِّر عَلَى نَفْسِه أَو مَالِه قَائِلا : الْلَّه أَكْبَر ثَلَاث مَرَّات ) ( الْعَيْن وَالرُّقْيَة وَالاسْتِشْفَاء مِن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة - ص 45 ) 0
سَادِسا : قَوْل ( مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ) : وَيُسْتَحَب كَذَلِك لِمَن رَأَى شَيْئا مِن نَفْسِه أَو مَالِه أَو وَلَدِه أَو أَي شَيْء فَأَعْجَبَه أَن يَقُوْل : مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ، يَقُوْل تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : } وَلَوْلَا إِذ دَخَلْت جَنَّتَك قُلْت مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه إِن تُرَن أَنَا أَقَل مِنْك مَالا
وَوَلَدا ) ( الْكَف – 39 ) 0
قَال ابْن كَثِيْر وَالْبَغَوِي - رَحِمَهُمَا الْلَّه - قَال بَعْض الْسَّلَف مَن أَعْجَبَه شَيْء مِن حَالِه أَو مَالِه أَو وَلَدِه فَلْيَقُل مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه 0
وَرَوَّى هِشَام بْن عُرْوَة عَن أَبِيْه ، أَنَّه كَان إِذَا رَأَى شَيْئا يُعْجِبُه ، أَو دَخَل حَائِطا مِن حِيْطَانُه قَال : مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم - 3 / 84 ، شَرْح الْسُّنَّة – 12 / 166 ) 0
قَال الْنَّوَوِي - رَحِمَه الْلَّه - وَيُسْتَحَب لِلْعَائِن أَن يَدْعُو لِلْمَعِين بِالْبَرَكَة فَيَقُوْل :" الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه " ، وَأَن يَقُوْل : " مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه " ) ( رَوْضَة الْطَّالِبِيْن - 7 / 200 )
قَالَت اللَّجْنَة الدَّائِمَة لِلْبُحُوْث الْعِلْمِيَّة وَالْإِفْتَاء : ( وَأَمَّا الْعِلَاج لِلْعَائِن فَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُه فَلْيَذْكُر الْلَّه وَلْيَبْرّك ، فَيَقُوْل : مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه وَيَدْعُو لِلْشَّخْص بِالْبَرَكَة ) ( فَتَاوَى الْلَّجْنَة الْدَّائِمَة لِلْبُحُوْث الْعِلْمِيَّة وَالْإِفْتَاء – الْسُّؤَال الْثَّانِي مِن فَتْوَى رَقِم 6366 ، 1 / 365 ، 366 ) 0
سَابِعا : الاسْتِعَاذَة بِاللَّه مِن الْعَيْن : وَيُسَن كَذَلِك الِاسْتِعَاذَة بِالْلَّه مِن الْعَيَّن كَمَا ثَبَت مِن حَدِيْث عَائِشَة - رَضِي الْلَّه عَنْهَا - حَيْث قَالَت : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( اسْتَعِيْذُوَا بِالْلَّه مِن الْعَيَّن فَإِن الْعَيْن حَق ) ( صَحِيْح الْجَامِع – 938 ) 0
قَال ابْن الْقَيِّم - رَحِمَه الْلَّه - فَلَمَّا كَان الْحَاسِد أَعْم مِن الْعَائِن ، كَانَت الِاسْتِعَاذَة مِنْه اسْتِعَاذَة مِن الْعَائِن ، وَهِي - أَي الْعَيْن - سِهَام تَخْرُج مِن نَفْس الْحَاسِد وَالْعَائِن نَحْو الْمَحْسُود وَالْمُعَيَّن تُصِيْبُه تَارَة وَتُخْطِئُه تَارَة ، فَإِن صَادَفْتُه مَكْشُوْفَا لَا وِقَايَة عَلَيْه ، أَثَّرَت فِيْه وَلَا بُد ، وَإِن صَادَفْتُه حَذِرَا شَاكِي الْسِّلاح لَا مَنْفَذ فِيْه لِلْسِّهَام ، لَم تُؤْثِر فِيْه ، وَرُبَّمَا رُدَّت الْسِّهَام عَلَى صَاحِبِهَا ) ( الْطَّب الْنَّبَوِي – ص 166 ) 0
قَال الْنَّسَفِي فِي تَفْسِيْرِه لِسُوْرَة الْفَلَق : ( فَإِن الِاسْتِعَاذَة مِن شَر هَذِه الْأَشْيَاء ، بَعْد الاسْتِعَاذَة مِن شَر مَا خَلَق إِشْعَار بِأَن شَر هَؤُلَاء أَشَد وَخَتَم بِالْحَسَد لِيُعْلَم أَنَّه شَرِّهَا ) ( تَفْسِيْر الْنَّسَفِي – 4 / 430 ) 0
قَال فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن - حَفِظَه الْلَّه - وَقَد أَمَر الْلَّه بِالِاسْتِعَاذَة مِن الْعَائِن ، فَهُو دَاخِل فِي قَوْلِه تَعَالَى : ( وَمِن شَر حَاسِد إِذَا حَسَد ) ، وَبِالاسْتِعَاذَّة مِن شَرِّه يَحْصُل الْحِفْظ وَالْحِمَايَة وَالْلَّه أَعْلَم ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – ص 208 ) 0
قَال الْشَّيْخ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم - رَحِمَه الْلَّه - : ( أَمَر الْلَّه تَعَالَى عِبَادَه بِالِاسْتِعَاذَة مِن شَر مَا خَلَق عُمُوْما ثُم مِن شَر غَاسِق إِذَا وَقَب ، وَمِن شَر النَّفَّاثَات فِي الْعُقَد وَمِن شَر حَاسِد إِذَا حَسَد ، وَكُلُّهَا – أُمُوْر مُغَيَّبَة عَنَّا وَلَا يُعِيْذ مِنْهَا إِلَا الْلَّه سُبْحَانَه ) ( الْعَيْن وَالرُّقْيَة وَالاسْتِشْفَاء مِن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة - ص 43 ) 0
ثَامِنا : الْمُحَافَظَة عَلَى الْذِّكْر وَالْدُّعَاء : وَمَن أَنْجَع الْوَسَائِل لِلْوِقَايَة مِن الْعَيْن قَبْل وُقُوْعِهَا وَبَعْدَه الْتَّحَصُّن بِالْأَذْكَار وَالْأَدْعِيَة 0
قَال ابْن الْقَيِّم وَمَن جَرَّب الْدَّعَوَات وَالْعُوَذ ، عَرَف مِقْدَار مَنْفَعَتِهَا ، وَشِدَّة الْحَاجَة إِلَيْهَا ، وَهِي تَمْنَع وُصُوْل أَثَر الْعَائِن ، وَتَدْفَعُه بَعْد وُصُوْلِه بِحَسَب قُوَّة إِيْمَان قَائِلُهَا ، وَقُوَّة نَفْسِه ، وَاسْتِعْدَادِه ، وَقُوَّة تَوَكُّلِه وَثَبَات قَلْبِه ، فَإِنَّهَا سِلَاح ، وَالسِّلَاح بضَارَبة ) ( زَاد الْمَعَاد – 4 / 170 ) 0
قَال مُحَمَّد بْن مُفْلِح وَيُعَالِج الْمَعِيْن مَع ذَلِك بِالُّرْقَى مِن الْكِتَاب وَالْسُّنَّة وَالْتَّعَوُّذ وَالْدُّعَاء ) ( الْآدَاب الْشَّرْعِيَّة – 3 / 60 ) 0
قَال فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن - حَفِظَه الْلَّه - إِن مِن أَسْبَاب كَثْرَة الْمُصَابِيْن بِهَذِه الْأَمْرِاض - يَعْنِي الْصَّرْع وَالْسِّحْر وَالْعَيْن وَالْحَسَد- إِعْرَاضُهُم عَن الْتَّحْصِيْن بِالْذِّكْر وَالْأَوْرَاد وَالْأَدْعِيَة الْشَّرْعِيَّة ) ( فَتْح الْمُغِيْث – ص 4 ) 0
وَكَذَلِك يُسْتَحَب الْدُّعَاء لِلْمُصَاب بِالْعَيْن بِقَوْل : ( الْلَّهُم أَذْهِب عَنْه حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا ) ، فَقَد وَرَد عَن عَبْدِالْلَّه بْن عَامِر قَال : انْطَلَق عَامِر بْن رَبِيْعَة وَسَهْل بْن حُنَيْف يُرِيْدَان الْغُسْل ، قَال : فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَان الْخَمَر ( الْخَمَر : أَي كُل مَا يَسْتُر مِن شَجَر أَو جَبَل أَو غَيْرِه ) ، قَال : فَوَضَع عَامِر جُبَّة كَانَت عَلَيْه مِن صُوْف ، فَنَظَرْت إِلَيْه – أَي إِلَى سَهْل – فَأَصَبْتُه بِعَيْنِي فَنَزَل الْمَاء يَغْتَسِل ، قَال : فَسَمِعْت لَه فِي الْمَاء قَرْقَعَة فَأَتَيْتُه فَنَادَيْتُه ثَلَاثَا فَلَم يُجِبْنِي فَأَتَيْت الْنَّبِي فَأَخْبَرْتُه ، قَال : فَجَاء يَمْشِي فَخَاض الْمَاء حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى بَيَاض سَاقَيْه ، قَال : فَضَرَب صَدْرَه بِيَدِه ثُم قَال : ( الْلَّهُم أَذْهِب عَنْه حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا – الْوَصَب : الْتَّعَب - ) قَال : فَقَام ، فَقَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن أَخِيْه أَو مِن نَفْسِه أَو مَالِه مَا يُعْجِبُه ، فَلْيُبَرِّكْه ، فَإِن الْعَيْن حَق ) ( أَخَرَجّع الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك - 3 / 411 ، 412 - 4 / 215 - وَقَال : حَدِيْث صَحِيْح الْإِسْنَاد وَلَم يُخَرِّجَاه ، وَوَافَقَه الْذَّهَبِي فِي " الْتَّلْخِيْص " ، وَقَال الْأَلْبَانِي حَدِيْث صَحِيْح ، أَنْظُر صَحِيْح الْجَامِع 556 ) 0
قَال الدُّكْتُوْر مُحَمَّد مَحْمُوْد عَبْدِاللّه مُدَرِّس عُلُوْم الْقُرْآَن بِالْأَزْهَر : ( وَمَن أُصِيْب بِعَيْن دُعِي لَه وَرَقِي بِقَوْلِه : " بِسْم الْلَّه الْلَّهُم أَذْهِب حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا - ثُم يَقُوْل - قُم بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى " أَخْرَج الْحَدِيْث الْنَّسَائِي وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك ) ( إِعْجَاز الْقُرْآَن فِي عِلَاج الْسِّحْر وَالْحَسَد وَمَس الْشَّيْطَان – ص 109 ) 0
وَالْحَدِيْث صَحِيْح كَمَا بَيْن ذَلِك أَهْل الْعِلْم ، وَمِن هُنَا فَإِنَّه يُسَن لِلْمُسْلِم أَن يَدْعُو لِأَخِيْه الْمُسْلِم بِهَذَا الْدُّعَاء لِمَن ابْتُلِي بِدَاء الْعَيْن وَالْحَسَد ، وَالْخِبْرَة وَالتَّجْرِبَة تُعْضَد قَوْل الْمَعْصُوْم عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام ، عِلْمَا أَنَّه قَد ثَبَت مُعَانَاة مُعْظَم مَرْضَى الْعَيْن وَالْحَسَد مِن كَافَة الْأَعْرَاض الْمَذْكُوْرَة فِي الْحَدِيْث كَشُعُور الْمَرِيْض بِالْتَّعَب وَالْنَّصْب وَالْحَرَارَة وَالْبُرُوْدَة ، وَالْدُّعَاء بِهَذِه الْكَيْفِيَّة فِيْه تَوَجُّه إِلَى الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى لِإِزَالَة كَافَّة هَذِه الْأَعْرَاض وَشِفَاء الْمَرِيْض بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى وَالْلَّه أَعْلَم 0
تَاسِعا : اسْتِخْدَام الْمِدَاد الْمُبَاح : وَمَن الْأُمُور الْمُجَرَّبَة وَالْنَّافِعَة لِعِلاج الْعَيْن اسْتِخْدَام الْمِدَاد الْمُبَاح بِالْزَّعْفَرَان وَنَحْوِه ، كَمَا أَشَار لِذَلِك جَمَاعَة مِن الْسَّلَف 0
قَال ابْن الْقَيِّم - رَحِمَه الْلَّه - وَرَأَى جَمَاعَة مِن الْسَّلَف أَن تُكْتَب لَه - لِلْعَيْن - الْآَيَات مِن الْقُرْآَن ، ثُم يَشْرَبُهَا 0 قَال مُجَاهِد : لَا بَأْس أَن يَكْتُب الْقُرْآَن ، وَيَغْسِلُه ، وَيَسْقِيْه الْمَرِيْض ، وَمُثُلِه عَن أَبِي قِلَابَة 0 وَيُذْكَر عَن ابْن عَبَّاس : أَنَّه أَمَر أَن يُكْتَب لِامْرَأَة تَعَسَّر عَلَيْهَا وِلَادَتُهَا أَثَر
مِن الْقُرْآَن ، ثُم يَغْسِل وَتُسْقَى 0 وَقَال أَيُّوْب : رَأَيْت أَبَا قِلَابَة كُتِب كِتَابا مِّن الْقُرْآَن ، ثُم غَسَلَه بِمَاء ، وَسَقَاه رَجُلا كَان بِه وَجَع ) ( الْطَّب الْنَّبَوِي – ص 170 ، 171 ) 0
عَاشِرا : الِاحْتِرَاز بِسِتْر مَحَاسِن مَن يَخَاف عَلَيْه مِن الْعَيْن :
قَال ابْن الْقَيِّم - رَحِمَه الْلَّه - وَمِن عِلَاج ذَلِك أَيْضا وَالِاحْتِرَاز مِنْه سَتْر مَحَاسِن مَن يُخَاف عَلَيْه الْعَيْن بِمَا يَرُدّهَا عَنْه ، كَمَا ذَكَر الْبَغَوِي فِي كِتَاب " شَرْح الْسُّنَّة ": أَن عُثْمَان – رَضِي الْلَّه عَنْه – رَأَى صَبِيا مَلِيْحا ، فَقَال : دَسِّمُوا نُوَنَتَه ، لِئَلَّا تُصِيْبُه الْعَيْن ، ثُم قَال فِي تَفْسِيْرِه : وَمَعْنَى : دَسِّمُوا نُوَنَتَه : أَي : سَوّدُوا نُوَنَتَه ، وَالْنُّوْنَة : الْنُّقْرَة الَّتِي تَكُوْن فِي ذَقَن الْصَّبِي الْصَّغِيْر ) ( الْطَّب الْنَّبَوِي – ص 173 ) 0
قَال الْإِمَام مُسْلِم قَال الْقَاضِي عِيَاض بَعْد ذِكْر حَدِيْث حَسَد عَامِر بْن رَبِّيَعَه لِسَّهْل بْن حُنَيْف : فِي هَذَا الْحَدِيْث مِن الْفِقْه مَا قَالَه بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّه يَنْبَغِي إِذا عَرَف أَحَد بِالْإِصَابَة بِالْعَيْن أَن يُجْتَنَب وَيُتَحَرَّز مِنْه ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَام مَنْعِه مِن مُدَاخَلَة الْنَّاس0 وَيَأْمُرُه بِلُزُوْم بَيْتِه فَإِن كَان فَقِيْرا رِزْقَه مَا يَكْفِيْه ، وَيَكُف أَذَاه عَن الْنَّاس ) ( صَحِيّج مُسْلِم بِشَرْح الْنَّوَوِي ) 0
قَال مُحَمَّد بْن مُفْلِح وَلْيَحْتَرِز الْحَسَن مِن الْعَيَّن وَالْحَسَد بِتَوُحَيش حُسْنَه ) ( الْآدَاب الْشَّرْعِيَّة – 3 / 60 ) 0
سُئِل فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن عَن الْمُبَالَغَة فِي الْخَوْف مِن الْإِصَابَة بِالْعَيْن ، وَمَنَع الْأَطْفَال مِن مُخَالَطَة الْنَّاس خُوِّفَا عَلَيْهِم مِّن الْعَيْن ؟
فَأَجَاب – حَفِظَه الْلَّه - : ( لَا تُعْتَبَر وَإِنَّمَا هِي مِن تَجَنُّب أَسْبَاب الْشُّرُوْر وَالْأَضْرَار ، وَقَد وَرَد مَا يَدُل عَلَى الْجَوَاز فِي صَبِي جَمِيْل أُمِرُوَا أَن يُغَيِّرُوْا صَوَّرْتُه خَوْف الْعَيْن ، كَمَا سَبَق الْأَثَر عَن عُثْمَان فِي قَوْلِه " دَسِّمُوا نُوَنَتَه " أَي سَوِّدُوهَا ، وَهِي الْنُّقْرَة فِي أَسْفَل الْوَجْه ، وَذَلِك سَبَب مِمَّا شَرَعَه الْلَّه ، فَقَد قَال تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِيْن ءَامَنُوا خُذُوْا حِذْرَكُم ) ( الْنِّسَاء – الْآَيَة 71 ) وَهُو يَعُم الْحَذِر مِن كُل مَا فِيْه ضَرَر عَلَى الْنَّفْس أَو الْمَال ، وَقَال تَعَالَى : ( وَخُذُوَا حِذْرَكُم ) ( الْنِّسَاء – الْآَيَة 102 ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن - 218 ، 219 ) 0
قَال فَضِيْلَة الْشَّيْخ مُحَمَّد بْن صَالِح الْعُثَيْمِيْن - حَفِظَه الْلَّه - وَالْتَّحَرُّز مِن الْعَيَّن مُقَدَّمَا لَا بَأْس بِه وَلَا يُنَافِي التَّوَكُّل بَل هُو التَّوَكُّل لِأَن التَّوَكُّل الْاعْتِمَاد عَلَى الْلَّه سُبْحَانَه مَع فِعْل الْأَسْبَاب الَّتِي أَبَاحَهَا أَو أَمْر بِهَا وَقَد كَان الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم يُعَوِّذ الْحَسَن وَالْحُسَيْن وَيَقُوْل :" أُعِيْذُكُمَا بِكَلِمَات الْلَّه الْتَّامَّة مِن كُل شَيْطَان وَهَامَّة وَمِن كُل عَيْن لَامَّة وَيَقُوْل : هَكَذَا كَان إِبْرَاهِيْم يُعَوِّذ اسْحَق وَاسْمَاعِيْل عَلَيْهِمَا الْسَّلام " ) ( أَخْرَجَه الْإِمَام الْبُخَارِي فِي صَحِيْحِه – بِرَقْم 3371 ) ( فَتَاوَى الْعِلَاج بِالْقُرْآَن وَالْسُّنَّة – ص 41 ، 42 ) 0
حَادِي عَشَر : الْإِحْسَان إِلَى مَن عَرَف الْإِصَابَة بِالْعَيْن : وَهَذَا مِمَّا يُطْفِئ نَار الْحَسَد فِي قَلْب الْحَاسِد 0
قَال الْدُّكْتُوْر عَبْدِاللّه الطَّيَّار وَالْشَّيْخ سَامِي الْمُبَارَك بِتقَرِيض سَمَاحَة الْعَلَامَة الْشَّيْخ عَبْدُالْعَزِيْز بِن عَبْدِاللّه بْن بَاز – رَحِمَه الْلَّه - : ( الْإِحْسَان إِلَى مَن عَرَفْت أَصَابَتْه بِالْعَيْن كَإِحْسَان الْغَنِي إِلَى الْفَقِيْر الْمُسْتَشْرِف لَمَّا فِي يَد الْغَنِي ) ( فَتَح الْحَق الْمُبِيْن فِي عِلَاج الْصَّرْع وَالْسِّحْر وَالْعَيْن – ص 192 ) 0
ثَانِي عَشَر : الْصَّبُر عَلَى الْعَائِن وَعَدَم الْتَّعَرُّض لَه :
قَال الْدُّكْتُوْر عَبْدِاللّه الطَّيَّار وَالْشَّيْخ سَامِي الْمُبَارَك بِتقَرِيض سَمَاحَة الْعَلَامَة الْشَّيْخ عَبْدُالْعَزِيْز بِن عَبْدِاللّه بْن بَاز – رَحِمَه الْلَّه - : ( الْصَّبُر عَلَى الْعَائِن وَعَدَم الْتَّعَرُّض لَه أَو إِيْذَائِه لِقَوْلِه تَعَالَى : ( وَمَن عَاقَب بِمِثْل مَا عُوْقِب بِه ثُم بُغِى عَلَيْه لَيَنْصُرَنَّه الْلَّه ) ( الْحَج – الْآَيَة 60 ) ( فَتَح الْحَق الْمُبِيْن فِي عِلَاج الْصَّرْع وَالْسِّحْر وَالْعَيْن – ص 192 ) 0
ثَالِث عَشَر : الْمُحَافَظَة عَلَى قَضَاء الْحَوَائِج بِالْسِّر وَالْكِتْمَان : وَيُسْتَحَب كَذَلِك اتِّقَاء شَر الْعَيْن وَالْحَسَد بِالْمُحَافَظَة عَلَى الِسِّر فِي قَضَاء الْحَوَائِج ، لِمَا ثَبَت مِن حَدِيْث مُعَاذ بْن جَبَل - رَضِي الْلَّه عَنْه- عَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَنَّه قَال : ( اسْتَعِيْنُوْا عَلَى إِنْجَاح الْحَوَائِج بِالْكِتْمَان ، فَإِن كُل ذِي نِعْمَة مَحْسُود ) ( صَحِيْح الْجَامِع - 943 ) 0
رَابِع عَشَر : الاحْتِرَاز مِن الْعَائِن وَاجْتِنَابَه وَالْبُعْد عَنْه وَحَبَسَه مِن قَبْل الْإِمَام : وَمَن الْأُمُور الْهَامَّة وَالْنَّافِعَة لِاتِّقَاء شَر الْعَائِن أَو الْحَاسِد اجْتِنَابَه وَالْبُعْد عَنْه ، وَحَبَسَه مِن قَبْل وُلَاة الْأَمْر 0
قَال ابْن الْقَيِّم - رَحِمَه الْلَّه - وَقَد قَال أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُم مِن الْفُقَهَاء : أَن مَن عَرَف بِذَلِك حَبَسَه الْإِمَام وَأَجْرَى لَه مَا يُنْفِق عَلَيْه إِلَى الْمَوْت وَهَذَا هُو الْصَّوَاب قِطْعَا ) ( الْطَّب الْنَّبَوِي – ص 168 ) 0
قَال الْعَيْنِي وَقَال الْقَاضِي عِيَاض : قَال بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي إِذا عُرْف وَاحِد بِالْإِصَابَة بِالْعَيْن أَن يُجْتَنَب وَأَن يَحْتَرِز مِنْه وَيَنْبَغِي لِلْإِمَام مَنْعِه مِن مُدَاخَلَة الْنَّاس ، وَيَلْزَمُه بِلُزُوْم بَيْتِه ، وَإِن كَان فَقِيْرا لَزِمَه مَا يَكْفِيْه فَضَرَرُه أَكْثَر مَن آَكُل الْثُّوْم وَالْبَصَل الَّذِي مَنَعَه الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مِن دُخُوْل الْمَسْجِد لِئَلَّا يُؤْذِي الْنَّاس وَمِن ضَرَر الْمَجْذُوْم الَّذِي مَنَعَه عُمَر-رَضِي الْلَّه تَعَالَى عَنْه- ) ( عُمْدَة الْقَارِي بِشَرْح صَحِيْح الْبُخَارِي – 17 / 405 ) 0
خَامِس عَشَر : الْأُمُور الْحِسِّيَّة الثَّابِتَة بِالتَّجْرِبَة : يُعَمِّد الْبَعْض بِالْسُّؤَال عَن بَعْض الْأُمُور الْمُتَعَارَف عَلَيْهَا وَالْمُتَدَاوّل اسْتِخْدَامُهَا بَيْن الْنَّاس فِي عِلَاج الْعَيْن وَالْحَسَد ، وَقَد تَكُوْن تِلْك الْأُمُور مِن الْأَسَالِيْب وَالْعَادَات الْمُتَوَارَثَة عَن الْآَبَاء وَالْأَجْدَاد ، وَيُفْضِي اسْتِخْدَام بَعْضُهَا فِي عِلَاج الْعَيْن إِلَى مَحَاذِيْر شَرْعِيَّة ، وَالْوُقُوْع فِي الْمُحْرِم ، وَسَوْف أَقْتَصِر الْبَحْث بِذِكْر الْأُمُوْر الْجَائِز اسْتِخْدَامُهَا فِي هَذَا الْمَجَال ، وَأَمَّا الْأُمُوْر الْأُخْرَى الَّتِي لَا يَجُوْز فِعْلُهَا بِسَبَب تَأْثِيْرُهَا وَخُطُوْرَتِهَا عَلَى الْعَقِيْدَة وَالْدِّيْن ، فَسَوْف أَفْرِد لَهَا مَوْضُوعَا مُسْتَقِلّا فِي الْمُسْتَقْبَل بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0
وَبِالْعُمُوْم فَقَد ذَكَر الْعُلَمَاء الْأَجِلَّاء شُرُوْط الْأَخْذ بِالْأَسْبَاب ، وَقَد لَخَص ذَلِك الدُّكْتُوْر فَهِد بْن ضَّوْيَان الْسُّحَيْمِي – حَفِظَه الْلَّه – عُضْو هَيْئَة الْتَّدْرِيس بِالْجَامِعَة الْإِسْلَامِيَّة بِالْمْدِيَنَة الْنَّبَوِيَّة ، حَيْث قَال :
( وَلَقَد فَصَل الْعُلَمَاء الْقَوْل فِي شُرُوْط الْأَخْذ بِالْأَسْبَاب ، وَيُمْكِن إِيُجَازِهَا فِيْمَا يَلِي :-
1- أَن يَكُوْن الْسَّبَب مِمَّا ثَبَت أَنَّه سَبَب : شَرْعا : لِأَن هُنَاك مَن الْأَسْبَاب مَا هُو مُحَرَّم ، وَكُل سَبَب لَم يَأْذَن بِه الْلَّه وَلَا رَسُوْلُه فَهُو بَاطِل 0
وَقَدْرَا : بِأَن يَعْرِف أَن هَذَا مِن الْأَسْبَاب الْمَعْهُوْدَة الَّتِي يَحْصُل بِهَا الْمَقْصُوْد – كَالأَدْوّيّة الْمُجَرَّبَة الْنَّافِعَة الْمَعْرُوْف مَنْفَعَتِهَا وكَحُصُوّل الْشِّبَع عِنْد الْأَكْل وَالْرِّي عِنْد الْشُّرْب 0
2- أَن لَا يُعْتَمَد عَلَى الْسَّبَب بِذَاتِه بَل يَعْتَمِد عَلَى خَالِقَه وَمُسَبِّبَه ، لِأَنَّه قَد يَتَخَلَّف عَنْه مَع قِيَام الْسَّبَب إِذ الْضَّار وَالْنَّافِع وَالْمُعْطِي وَالْمَانِع هُو الْلَّه وَحْدَه لَا شَرِيْك لَه 0
وَالْحِكْمَة فِي تُخْلِف الْمُسَبِّب عَنْه مَع قِيَام الْسَّبَب هِي :-
أ – عَدَم الْاعْتِمَاد عَلَى الْأَسْبَاب فَتَلْتَفت الْقُلُوْب عَن الْلَّه فَتَتَعَلَّق بِهَذَا الْسَّبَب 0
ب – عِلْم كَمَال قُدْرَة الْلَّه وَأَن لَه الْتَّصَرُّف الْمُطْلَق وَحْدَه لَا شَرِيْك لَه 0
3- أَن يَعْلَم أَنَّه مَهْمَا عَظَمَت وَقَوِيَت تِلْك الْأَسْبَاب فَانَّهَا مُرْتَبِطَة بِقَدَر الْلَّه لَا خُرُوْج لَهَا عَنْه فَلَا يُعْتَمَد عَلَيْهَا ) ( أَحْكَام الْرُّقَى وَالَّتكائِم – ص 13 ، 14 ) 0
وَيُعَقِّب الدُّكْتُوْر الْفَاضِل بِكَلَام جَمِيْل بَعْد أَن أَوْرَد تِلْك الْشُّرُوْط ، حَيْث قَال لَيْس كُل سَبَب حَصَل بِه الْمَقْصُوْد وَنَيْل بِه الْطَّلَب يَجُوْز الْأَخْذ بِه بَل لَا بُد فِي ذَلِك مِن الْنَّظَر إِلَيْه مِن الْجِهَة الْشَّرْعِيَّة فَمَا أَجَاز لَنَا الْشَّرْع الْأَخْذ بِه مِن الْأَسْبَاب أَخَذْنَا بِه مَع عَدَم الْاعْتِمَاد عَلَيْه بَل يَكُوْن الْاعْتِمَاد عَلَى خَالِقَه وَمُسَبِّبَه وَأَن هَذِه الْأَسْبَاب مُرْتَبِطَة بِقَدَر الْلَّه عَز وَجَل 0 وَمَا مَنَعَنَا مِنْه الْشَّرْع فَالْوَاجِب عَلَيْنَا الِامْتِنَاع عَنْه وَلَو وُجِدَت فِيْه بَعْض الْمَصْلَحَة لِأَن ضَرَرَه رَاجِح عَلَى مَنْفَعَتِه 0 وَالْلَّه أَعْلَم ) ( أَحْكَام الْرُّقَى وَالَّتكائِم – ص 17 ) 0
قُلْت : وَالَّذِي أَرَاه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الْجَوَاز لِاعْتِمَاد نَص صَرِيْح فِي هَذَا الْبَاب وَالْقِيَاس عَلَيْه ، خَاصَّة أَن فَعْل ذَلِك دُوْن الاعْتِقَاد فِيْه يُؤَدَّى لِنَتَائِج ايجَابِيّة طَيِّبَة وَمَحْمَّوَدّة بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَيَنْدَرِج تَحْت هَذَا الْحُكْم أُمُوْر أُخْرَى تَتَعَلَّق بِطَرِيْقَة عَلَاج الْعَيْن بِشَكْل عَام كُنْفُث الْعَائِن عَلَى الْمَعِين أَو تَبْرِيْكَه وَنَحْو ذَلِك ، مَع الْتَّنْبِيْه لِأَمْر هَام جَدَّا يَتَعَلَّق بِهَذِه الْمَسْأَلَة وَهُو أَن اسْتِخْدَام تِلْك الْكَيْفِيَّات وَعَلَى هَذَا الْنَّحْو يَرْقَى لِكَي يُصْبِح سَبَبَا حَسِيّا لِلْشِّفَاء بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَهَذَا مَا قَرَّرْتُه الْخِبْرَة وَّالْتَّجْرِبَة لَدَى كَثِيْر مِن الْمُعَالِجِيْن أَصْحَاب الْمَنْهَج الْإِسْلَامِي الْصَّحِيْح ، مَع تَدْوِيْن بَعْض الْنِّقَاط الْهَامَّة ، وَهِي عَلَى الْنَّحْو الْتَّالِي :-
أ)- الْأُوْلَى الْاعْتِمَاد عَلَى الْطَّرِيْقَة الْوَارِدَة فِي حَادِثَة سَهْل ابْن حُنَيْف ، وَالَّتِي تَنُص عَلَى أَخْذ غَسَل الْعَائِن وَصَبَّه عَلَى الْمَعِين كَمَا بَيَّنَهَا الْعُلَمَاء الْأَجِلَّاء 0
ب)- يَلْجَأ لِاسْتِخْدَام الْطُّرُق الْمُدَوَّنَة لَاحِقَا خَوْفا مِن حُصُوْل مَفْسَدَة شَرْعِيَّة أَعْم مِن الْمَصْلَحَة الْمُتَرَتِّبَة ، وَمِثَال ذَلِك أَن يُؤَدِّي طَلَب الْغَسْل مِن الْعَائِن إِلَى الْقَطِيْعَة وَالْتَّنَافُر ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى مَفْسَدَة شَرْعِيَّة عَظِيْمَة أَعْم مِن الْمَصْلَحَة الْمُتَرَتِّبَة 0
ج)- يُتِم اللُّجُوء لِبَعْض الْطُّرُق الْمُدَوَّنَة خَاصَّة أَخَذ آَثَار عَتَبَات الْأَبْوَاب وَالْأَقْفَال فِي حَالَة صُعُوْبَة مَعْرِفَة الْعَائِن أَو الْحَاسِد لِسَبَب أَو لَآَخَر 0
وَفِيْمَا يَلِي بَعْض الْطُّرُق الْحِسِّيَّة الْمُبَاحَة وَالْمَشْرَوعَة لِعِلاج الْعَيْن وَالْحَسَد :
1)- اسْتِخْدَام آَثَار الْمَرِيْض الْدَّاخِلِيَّة أَو الْخَارِجِيَّة وَوَضَعَهَا بِالْمَاء وَرَشَّه بَعُد ذَلِك عَلَى الْمَعِين : وَقَد أَفْتَى بِجَوَاز ذَلِك فَضِيْلَة الْشَّيْخ مُحَمَّد بْن صَالِح الْعُثَيْمِيْن -حَفِظَه الْلَّه- حَيْث يَقُوْل وَهُنَاك طَرِيْقَة أُخْرَى - لِعِلاج الْعَيْن - وَلَا مَانِع مِنْهَا أَيْضا ، وَهِي أَن يُؤْخَذ شَيْء مِن شِعَارُه أَي : مَا يَلِي جِسْمِه مِن الثِّيَاب كَالْثَّوْب ، وَالطَاقِيّة وَالَسِّرْوَال وَغَيْرِهَا ، أَو الْتُّرَاب إِذَا مَشَى عَلَيْه وَهُو رَطْب ، وَيُصَب عَلَى ذَلِك مَاء يُرَش بِه الْمُصَاب ، أَو يَشْرَبَه 0 وَهُو مُجَرَّب ) ( الْقَوْل الْمُفِيِد عَلَى كِتَاب الْتَّوْحِيْد – 1 / 94 ) 0
وَيَقُوْل فِي مَوْضِع آَخَر وَقَد جَرَت الْعَادَة عِنْدَنَا أَنَّهُم يَأْخُذُوْن مِن الْعَائِن مَا يُبَاشِر جِسْمِه مِن الْلِّبَاس مِثْل الْطَاقِيَة وَمَا أَشْبَه ذَلِك ويْرَبصُونَهَا بِالْمَاء ثُم يُسْقَوْنَهَا الْمُصَاب وَرَأَيْنَا ذَلِك يُفِيْدُه حَسْبَمَا تَوَاتَر عِنْدَنَا مِن الْنُّقُول ) ( فَتَاوَى الْشَّيْخ مُحَمَّد بْن صَالِح الْعُثَيْمِيْن – 1 / 196 ) 0
2)- اسْتِخْدَام أَثَر الْعَائِن عَلَى أَي صِفَة كَانَت كَالْمَاء وَالْقَهْوَة وَالْنَّوَى : وَقَد أَجَاز بَعْض الْعُلَمَاء حَفِظَهُم الْلَّه اسْتِخْدَام هَذِه الْطَّرِيْقَة دُوْن الاعْتِقَاد بِهَا ، وَاعْتِبَار ذَلِك مِن قَبِيْل الْأَسْبَاب الْحِسِّيَّة الْدَّاعِيَة لِلْشِّفَاء بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَقَد أَثْبَتَت الْتَّجْرِبَة وَالْخِبْرَة نَفْعُه وَفَائِدَتُه 0
سُئِل فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن عَن أَخْذ بَعْض الْأَثَر الْمُتَبَقِّي مِن بَعْض الْنَّاس الَّذِيْن يَشُك بِأَنَّهُم أَصَابُوا شَخْص مَا بِالْعَيْن ، كَأَخْذ الْمُتَبَقِّي فِي الْكَأْس مِن مَاء أَو شَرَاب ، أَو فَضَلَات الْأَكْل ، وَهَل هَذَا صَحِيْح مُعْتَمَد ؟
فَأَجَاب – حَفِظَه الْلَّه - : ( نَعَم كُل ذَلِك صَحِيْح وَنَافِع بِالتَّجْرِبَة ، وَكَذَا غَسْل ثَوْبِه الَّذِي يُلْاصِق بَدَنِه أَو يُعَرِّق فِيْه ، أَو غُسِل رِجْلَيْه أَو يَدَيْه لِعُمُوْم " وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُم فَاغْسِلُوا " ( أَخْرَجَه الْإِمَام مُسْلِم فِي صَحِيْحِه – بِرَقْم 2188 ) ، فَهُو يَعُم غَسَل الْبَدَن كُلِّه ، أَو غَسَل بَعْض الْبَدَن ، وَحَيْث جَرَّب أَن أَخَذ شَيْء مِن أَثْرِه يُفِيْد ، فَإِن ذَلِك جَائِز كَغُسْل نَعْلَه الَّذِي يَلْبَسُه ، أَو جَوْرَبَه الَّذِي يُبَاشِر جِلْدِه ، لِأَمْرِه فِي الْحَدِيْث بِغَسْل دَاخِلَه إِزَارَه ، أَي الَّذِي يَلِي جَسَدَه ، وَكَذَا مَا مَسَّت يَدَاه مِن عَصَى أَو قُفَّاز ، وَكَذَا فَضْل وَضُوْئِه الَّذِي اغْتَرَف مِنْه ، أَو مَا لَفْظُه مِن الْنَّوَى ، أَو تَعَرَّق مِن عَظْم أَو نَحْو ذَلِك ، وَهَذَا بِحَسَب الْتَّجْرِبَة ، وَقَد يُصِيْب بِإِذْن الْلَّه ، وَقَد يَسْتَعْصِي ذَلِك بِحَسَب قُوَّة نَفْس الْعَائِن وَضَعْفِهَا ، وَلَكِن بَعْض الْنَّاس يَتَوَهَّم كُل إِصَابَة وَكُل مَرَض حَصَل لَه فَهُو مِن الْعَيْن ، وَيُتَّهَم مَن لَا يُتَّهَم ، وَيَأْخُذ مِن فَضَلَاتِه فَلَا يَرَى تَأثّرا ، وَذَلِك مِمَّا لَا أَصْل لَه ، وَالْوَاجِب أَن يُعْتَقَد أَن الْأَمْرَاض كُلّهَا بِقَدَر الْلَّه تَعَالَى ، وَأَن كَثِيْرَا مِن الْأَمْرِاض تَحْصُل بِدُوْن سَبَب ، وَأَن عِلَاجِهَا بِمَا يُنَاسِبُهَا مِن الْعِلَاج الْمُبَاح ، وَالْلَّه أَعْلَم ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – ص 235 ، 236 )
03)- اسْتِخْدَام آَثَار عَتَبَات الْأَبْوَاب أَو أَقْفَالُهَا وَنَحْوِه وَوَضَعَهَا بِالْمَاء وَالِاسْتِحَمَام بِهَا لِإِزَالَة أَثَر الْعَيْن :
سُئِل فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن عَن جَوَاز اسْتِخْدَام آَثَار عَتَبَات الْأَبْوَاب وَالْأَقْفَال وَذَلِك عَن طَرِيْق مَسَح الْمَكَان وَوُضِع ذَلِك فِي الْمَاء وَاغْتِسَال الْمَعِيْن مِنْه ، عِلْمَا أَنَّه قَد ثَبَت نَفَع ذَلِك مَع كَثِيْر مِن الْحَالِات ، وَاعْتِبَار مِثْل ذَلِك الِاسْتِخْدَام سَبَبَا حَسِيّا لِلْشِّفَاء بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ؟
فَأَجَاب – حَفِظَه الْلَّه - : ( قَد عَرَف بِالتَّجْرِبَة أَن غَسَل كُل مَا مَسَّه الْعَائِن ثُم شَرِب الْمَعِيْن مِن غُسَالَتُه أَو صَبَّه عَلَيْه يَكُوْن سَبَبا فِي الْشِّفَاء مِن تِلْك الْعَيْن بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، وَحَيْث أَن الْعَائِن يَمَس قُفْل الْبَاب أَو مَفْتَح الْسَّيَّارَة وَقَد يَطَأ حَافِيّا عَلَى عَتَبَة الْبَاب أَو يَمَس الْعَصَا أَو الْمِظَلَّة أَو الْفِنْجَان لِلْقَهْوَة أَو الْشَاي ، أَو يَأْكُل مِن الْتَّمْر وَيَلْفِظ الْنَّوَى بَعْد أَن يَمُصَّه بِفَمِه ، فَإِن غَسْل هَذِه كُلَّهَا مِمَّا جَرَّب وَحُصِّل مَعَه زَوَال أَثَر الْعَيْن بِإِذْن الْلَّه قِيَاسا عَلَى أَمْرِه بِالِاغْتِسَال كَمَا فِي الْحَدِيْث الْصَّحِيْح ) ( الْمَنْهَل الْمَعِيْن فِي إِثْبَات حَقِيْقَة الْحَسَد وَالْعَيْن – ص 237 ) 0
قَصَص وَاقِعِيَّة : الْقِصَّة الْأُوْلَى : اتَّصَل أَحَد الْزُّمَلاء يَشْكُو لِي مُعَانَاة زَوْجَتِه ، حَيْث قَال : قَبْل أَيَّام رُزِقْنَا الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى بِمَوْلُوَدّة مَوْفُوْرَة الْصِحَّة وَالْعَافِيَة ، وَقَد سُعِدْنا كَثِيْرا بِهَا وَلِلّه الْحَمْد وَالْمِنَّة ، وَبَعْد أَيَّام حَضَر بَعْض الْنِّسْوَة لِتَهْنِئِة زَوْجَتَي بِالْمَوْلُوَدّة الْجَدِيْدَة ، وَبَعْد خُرُوْجُهُن ، أَخَذَت الْطِّفْلَة بِالْبُكَاء الْشَّدِيْد وَلَم تَعُد تَتَقَبَّل الرَّضَاعَة مِن الْأُم ، وَكَذَلِك أَحَسَّت زَوْجَتَي بِإِرْهَاق وَتَعَب شَدِيْد وَأَخَذْت تَبْكِي وَتَصَيَّح عَلَى نَحْو غَيْر مَأْلُوْف ، وُفُوْر سَمَاعِي بِذَلِك عُرْضَتُهَا وَالْطِّفْلَة عَلَى طَبِيْبَة مُتَخَصِّصَة وَلَكِن دُوْن جَدْوَى ، وَتَم رَقَيْتِهَا بِالْرُقْيَة الْشَّرْعِيَّة الثَّابِتَة فِي الْكِتَاب وَالْسُّنَّة ، وَقَد تَّبَيَّن إِصَابَتِهَا بِالْعَيْن مِن خِلَال الْأَعْرَاض الَّتِي اتَّضَحَت بَعْد الْقِرَاءَة وَالْلَّه تَعَالَى أَعْلَم ، وَقَد أَشَرْت عَلَى هَذَا الْأَخ الْفَاضِل الْقِيَام بِمِسْح الْعَتَبَة وَالْأَقْفَال الْخَاصَّة بِبَوَّابِة مُدْخَل الْنِّسَاء بِقِطْعَة مِن الْقُمَاش وَوَضَعَهَا فِي مَاء ، وَمَن ثُم قِيَام الْزَّوْجَة بِمِسْح كَافَة أَنْحَاء الْجِسْم مِن هَذَا الْمَاء ، وَكَان الْمُفْتَرَض أَن تَقُوْم الْمَرْأَة بِالِاغْتِسَال مِن هَذَا الْمَاء ، وَاسْتَعِيض عَن ذَلِك بِالأُسْلُوب آَنَف الْذِّكْر نَتِيْجَة الْوِلادَة الْقَيْصَرِيَّة ، حَيْث أَن الِاغْتِسَال قَد يُؤَدِّي لِتَعَرُّض الْجُرْح لمُضَاعَفَات خَطِيْرَة ، بَعْد ذَلِك مِن الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى عَلَى هَذِه الْأُخْت الْفَاضِلَة بِالْشِّفَاء ، وَعَادَت الْأُمُوْر إِلَى سَابِق عَهْدِهَا ، وَالْلَّه تَعَالَى أَعْلَم 0
الْقِصَّة الْثَّانِيَة : وَهَذِه الْقِصَّة رَوَاهَا لِي أَحَد الْزُّمَلاء فِي الْعَمَل ، حَيْث يَقُوْل : كَانَت زَوْجَتِي فِي زِيَارَة لِأَهْلِهَا ، وَقَام بِزِيَارَتِهَا بَعْض الْنِّسْوَة مِمَّن تُجَاوِزَن الْعُقَد الْثَّالِث مِن الْعُمْر ، يَقُوْل الْأَخ الْفَاضِل : وَبَعْد انْصِرافِهُن ، لَا أَدْرِي مَاذَا حَصَل لِزَوْجَتِي ، أَصْبَحَت تَبْكِي بُكَاء شَدِيْدا نَتِيْجَة المُعَانَاة وَالْأَلَم ، وَمَن فَوْرِي عُرْضَتُهَا عَلَى طَبِيْبَة مُتَخَصِّصَة وَبَعْد إِجْرَاء كَافَّة الْفُحُوصَات الْطَّبِّيَّة تَبَيَّن أَنَّهَا لَا تُعَانِي مِن أَيَّة أَمْرَاض عُضْوِيَّة ، فَاحْتَرْت فِي أَمْرِي ، وَتَذَكَّرْت قِصَّة سَمِعْتُهَا عَن وَالِدَتِي رِوَايَة عَن إِحْدَى قَرِيْبَاتِي تَقُوْل فِيْهَا :
ذَات يَوْم ذَهَب طِفْلِي الْبَالِغ مِن الْعُمْر سَبْع سَنَوَات لِشِرَاء بَعْض الْحَلْوَى ، وَكَان الْطِّفْل وَسِيْما نَظِيْفَا مُرَتَّب الْهَيْئَة وَالْمُظْهِر ، فَرَآَه فِي مَرْكَز التَّسْوِيْق رَجُل فَمَسَح عَلَى رَأْسِه وداعِبِه وَقَبَّلَه ، وَعَاد الْطِفْل إِلَى الْبَيْت يَبْكِي ، وَيَتَزَمَّل الْفِرَاش وَقَد ظَهَرَت عَلَى جَسَدِه حُبُوْب وَبُقَع حَمْرَاء ، وَكَان يَرْتَجِف ، فَهَدَأَت مِن رَوْعِه ، وَسَأَلْتُه عَن سَبَب بُكَائِه ، امْتَنَع فِي بَادِئ الْأَمْر عَن الْكَلَام ، وَبَعْد اسْتِخْدَام أُسْلُوْب الْمُدَاعَبَة وَالْلُّطْف وَالَلِّيْن أَخْبَرَنِي بِالْأَمْر ، فَمَا كَان مِنِّي إِلَا أَن تَوَجَّهْت فَوْرَا إِلَى ذَلِك الْمَرْكَز ، وَقُمْت بِمِسْح عُتْبَة الْمَدْخَل بِقِطْعَة مِن قُمَاش ، وَعَدْت مِن فَوْرِي لِلْمَنْزِل ، وَوُضِعَت تِلْك الْقِطْعَة بِالْمَاء ، وَقُمْت بِرَشِّها عَلَى وَلَدِي ، وَسُبْحَان الْلَّه فَك كَأَنَّه مِن عِقَال 0
يَقُوْل الْأَخ الْكَرِيْم : وَمَن فَوْرِي ذَهَبَت لِلْمَنْزِل الَّذِي يَقْطُنُه هَؤُلَاء الْنِّسْوَة ، وَقُمْت بِمِسْح عُتْبَة الْبَاب بِقِطْعَة مِن قُمَاش ، وَعَدْت وَوُضِعَت الْقِطْعَة بِالْمَاء ، وَقُمْت بُرْشِه عَلَى جَسَد زَوْجَتَي ، وَانْتَهَى كُل شَيْء وَلِلَّه الْحَمْد وَالْمِنَّة ، وَالْلَّه تَعَالَى أَعْلَم

الشيخ الروحاني محمد الشربيني 00201030804409 تعرف العين

قَال الْشَّيْخ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم – رَحِمَه الْلَّه - : ( إِن الْإِجَابَة عَن كَيْفِيَّة إْصَابَة الْعَيْن وَالْكَشْف عَن حَقِيْقِة ذَلِك فِعْلا وَمُسَبَّبَا لَيْس بِالْعَمَل الْمَيْسُور ، وَلَم يَزَل ذَلِك خَفِيّا حَتَّى الْيَوْم 00 وَهَذَا مِن النَّاحِيَة الْمَنْهَجِيَّة ، مُتَعَذِّر أَو مُمْتَنِع ، لِأَنَّه تَأْثِيْر غَيْر مَحْسُوْس ، وَغَيْر الْمَحْسُوس لَا يُمْكِن إِدْرَاكِه بِالْحِس ، وَإِنَّمَا الْحِس يُدْرِك آَثَارِه ، وَيْحَكُم بِوُجُوْدِه أَو عَدَمِه ، أَمَّا كُنْه عَمَلُه وتَفَاعِلاتِه ، فَلَا 00 مِثْلِه كَالْرُّوْح فِي الْجِسْم ، وَتَيَّار الْكَهْرُبَاء ، وَتِلْك الأَشِعَات الْحَدِيثَة ، تَرِدُك آَثَارُهَا وَيُتَصَوَّر وُجُوْدُهَا مِن تِلْك الْآَثَار 00 وَقَدِيْما قَالُوْا : كَتَأْثِير الْمِغْنَاطِيْس فِي جَلْب الْحَدِيْد ، أَمَّا مَا هُو الْمِغْنَاطِيْس فَلَيْس مَعْلُوْما بِمَاهِيَّتِه 00 وَمِن هَذَا الْبَاب تَأْثِيْر عَيْن الْعَائِن فِيْمَن أَصَابَه بِعَيْنِه 00 وَمَع ذَلِك فَقَد اجْتَهَد الْعُلَمَاء رَحِمَهُم الْلَّه تَعَالَى فِي الْعُصُوْر الْمُتَقَدِّمَة فِي الْكَشْف عَن حَقِيْقَتِه ، وَنُقِل عَنْهُم – رَحِمَهُم الَّلَه مَا قَالُوَه ، وَهُو مَا بَيْن مُوْجَز وَمُطَوَّل ، مَع اخْتِلَاف وَجِهَات الْنَّظَر ، شَأْنِهِم فِي ذَلِك شَأْنِهِم فِي الْمَسَائِل الِاجْتِهَادِيَّة ، وَلَا سِيَّمَا الْخَفِي مِنْهَا عَن الْحِسِّي ) ( الْعَيْن وَالرُّقْيَة وَالاسْتِشْفَاء مِن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة – ص 24 ) 0



وَيَقُوْل ايْضا : ( فَالَوِقَايَة مِن كُل ذَلِك – يَعْنِي الْعَيْن - وَمَا يُشْبِهُه يَكُوْن بِمَا يَتَلَائِم مَعَه وَيُدْفَع ضَرَرُه ، وَكَذَلِك الْعِلَاج وَالْوَقَايَة الْطَّبِّيَّة فَإِن مِن بَدِيهِّيَات الْطِّب وَأَوْلْيَاتِه تَشْخِيْص الْدَّاء وَمِن ثَم تَقْدِيْم الْدَّوَاء 000 وَالْوِقَايَة مِن كُل دَاء بِحَسَبِه مِن أَنْوَاع الْأَمْصَال الْمُلَائِمَة لَه 0

وَمَوْضُوع الْعَيْن لَم تَعْرِف عَلَى الْتَّحْقِيْق كَيْفِيَّة الْإِصَابَة مِنْهَا ، كَمَا تَقَدَّم لِأَنَّهَا مِن الْأُمُور الْمُغَيِّبَة عَنَّا ، فَلَا يُمْكِن تَشْخِيصُهَا فِي مَخْتَبَرَات كِيْمْيَائِيَّة ، وَلَا بِالأَشِعَات الْكَهْرَبَائِيَّة وَلَا بِعَوَارِض ظَاهِرَة ... وَعَلَيْه فَلَا سَبِيِل إِلَى مَعْرِفَة شَيْء عَنْهَا إِلَا مَا يَظْهَر مِن عَوَارِض الْتَّأْثِيْر بَعْد وُقُوْعِهَا تُظْهِر عَلَى مَن أَصَابَتْه الْعَيْن 0

فَلَا سَبِيِل إِلَى الْوِقَايَة مِنْهَا قَبْل وُقُوْعِهَا إِلَا بِمَا جَاء وَحِيّا مِن كِتَاب الْلَّه أَو سُنَّة رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم ) ( الْعَيْن وَالرُّقْيَة وَالاسْتِشْفَاء مِن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة – ص 39 ، 40 ) 0

قَال الْدُّكْتُوْر فَهِد بْن ضَّوْيَان الْسُّحَيْمِي عُضْو هَيْئَة الْتَّدْرِيس فِي الْجَامِعَة الْإِسْلامِيَّة بِالْمَدِيْنَة الْنَّبَوِيَّة فِي مَنْظُوْمَتِه الْعِلْمِيَّة لِنَيْل دَرَجَة الْمَاجِسْتِيْر : ( لَم يُرِد فِي الْشَّرْع مَا يَبِيْن كَيْفِيَّة الْإِصَابَة بِالْعَيْن ، وَلَسْنَا مُطَالِبِيْن بِمَعْرِفَة ذَلِك ، وَلَا مُتَعَبِّدِين بِه ، فَكُل مَا أَخْبَر بِه الْشَّارِع وَجَب عَلَيْنَا الْإِيْمَان بِه وَالتَّسْلِيْم وَلَو لَم نَعْقِل الْحِكْمَة أَو الْكَيْفِيَّة 0 وَإِن عَلِمْت فَذَلِك مِمَّا يَزِيْد فِي الْإِيْمَان وَهُو خَيْر عَلَى خَيْر 0

وَالَّذِي يُمْكِن مَعْرِفَتُه مِن كَيْفِيَّة الْإِصَابَة بِالْعَيْن هُو أَن الْعَائِن إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُه وَلَم يُبَرِّك قَد يَخْلُق الْلَّه مِن الْضَّرَر لِلْمَعِين مَا يَشَاء إِذَا شَاء 0

أَمَّا مَا ذَكَرَه بَعْض الْعُلَمَاء :

مِن أَن كَيْفِيَّة الْإِصَابَة بِالْعَيْن هُو : انْفِصَال قُوَّة سُمِّيَّة مِن عَيْن الْعَائِن أَو جَوَاهِر لَطِيْفَة غَيْر مَرْئِيَّة تَتَّصِل بِالْمُعَيِّن وَتَتَخَلَّل مَسَام جِسْمِه 0

فَهَذَا أَمْر مُحْتَمَل لَا يَقْطَع بِإِثْبَاتِه وَلَا يَجْزِم بِنَفْيِه وَالْلَّه أَعْلَم ) ( أَحْكَام الْرُّقَى وَالْتَّمَائِم – ص 94 )

الشيخ الروحاني محمد الشربيني 00201030804409 ادله وجود العين

أَدِلَّة الْكِتَاب :
أ - قَال تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : ( وَد كَثِيْر مِن أَهْل الْكِتَاب لَو يَرُدُّوْنَكُم مِن بَعْد إِيْمَانِكُم كُفَّارا حَسَدَا مِّن عِنْد أَنْفُسِهِم مِن بَعْد مَا تَبَيَّن لَهُم الْحَق فَاعْفُوَا وَاصْفَحُوَا حَتَّى يَأْتِى الْلَّه بِأَمْرِه إِن الْلَّه عَلَى كُل شَىْء قَدِيْر ) ( الْبَقَرَة – 109 ) 0

قَال ابْن كَثِيْر يُحَذِّر تَعَالَى عِبَادِه الْمُؤْمِنِيْن عَن سُلُوْك الْكُفَّار مِن أَهْل الْكِتَاب وَيُعَلِّمُهُم بِعَدَاوَتِهِم لَهُم فِي الْبَاطِن وَمَا هُم مُشْتَمِلُون عَلَيْه مِن الْحَسَد لِلْمُؤْمِنِيْن مَع عِلْمِهِم بِفَضْلِهِم وَفَضْل نَبِيِّهِم ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – 1 / 146 ) 0

قَال ابْن تَيْمِيَّه فِي هَذِه الْآَيَة فَذَم الْيَهُوْد عَلَى مَا حَسَدُوْا الْمُؤْمِنِيْن عَلَى الْهُدَى وَالْعِلْم 0

وَقَد يُبْتَلَى بَعْض الْمُنْتَسِبِيْن إِلَى الْعِلْم وَغَيْرِهِم بِنَوْع مِن الْحَسَد لِمَن هَدَاه الْلَّه بِعِلْم نَافِع أَو عَمَل صَالِح ، وَهُو خَلْق مَذْمُوْم مُطْلَقَا ، وَهُو فِي هَذَا الْمَوْضِع مِن أَخْلَاق الْمَغْضُوْب عَلَيْهِم ) ( اقْتِضَاء الْصِّرَاط الْمُسْتَقِيْم – 1 / 70 ، 71 ) 0

ب – قَال تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : ( أَم يَحْسُدُوْن الْنَّاس عَلَى مَا ءَاتَاهُم الْلَّه مِن فَضْلِه فَقَد ءَاتَيْنَا ءَال إِبْرَاهِيْم الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَءَاتَيْنَاهُم مُلْكا عَظِيْما ) ( الْنِّسَاء – الْآَيَة 54 ) 0

قَال ابْن كَثِيْر يَعْنِي بِذَلِك حَسَدِهِم الْنَّبِي e عَلَى مَا رَزَقَه الْلَّه الْنُّبُوَّة الْعَظِيْمَة ، وَمَنَعَهُم مِن تَصْدِيْقِهِم إِيَّاه حَسَدِهِم لَه لِكَوْنِه مِن الْعَرَب وَلَيْس مِن بَنِي إِسْرَائِيْل ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – 1 / 486 ) 0

ج – قَال تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : ( إِذ قَرَّبَا قُرْبَانا فَتُقُبِّل مِن أَحَدِهِمَا وَلَم يُتَقَبَّل مِن الْأَخَر قَال لَأَقْتُلَنَّك قَال إِنَّمَا يَتَقَبَّل الْلَّه مِن الْمُتَّقِيْن ) ( الْمَائِدَة – الْآَيَة 27 ) 0

قَال ابْن كَثِيْر يَقُوْل تَعَالَى مُبَيِّنا عَاقِبَة الْبَغْي وَالْحَسَد وَالْظُّلْم فِي خَبَر ابْنَي آَدَم لِصُلْبِه فِي قَوْل الْجُمْهُوْر وَهُمَا قَابِيْل وَهَّابِيَل كَيْف عَدَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآَخَر فَقَتَلَه بَغْيا عَلَيْه وَحَسَدا لَه فِيْمَا وَهَبَه الْلَّه مِن الْنِّعْمَة وَتَقَبُّل الْقُرْبَان الَّذِي أَخْلَص فِيْه لِلَّه عَز وَجَل فَفَاز الْمَقْتُوْل بِوَضْع الْآَثَام وَالْدُّخُوْل إِلَى الْجَنَّة وَخَاب الْقَاتِل وَرَجَع بِالْصَّفْقَة الْخَاسِرَة فِي الْدَّارَيْن ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – 2 / 39 ، 40 ) 0

د - قَال تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : ( إِذ قَال يُوْسُف لِأَبِيْه يَاأَبَت إِنِّى رَأَيْت أَحَد عَشَر كَوْكَبا وَالْشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتُهُم لِى سَاجِدِيْن * قَال يَابُنَى لَا تَقْصُص رْء يَاك عَلَى إِخْوَتِك فَيَكِيْدُوْا لَك كَيْدا إِن الْشَّيْطَان لِلْإِنْسَان عَدُو مُّبِيْن ) ( يُوَسُف – الْآَيَة 4 ، 5 ) 0

قَال ابْن كَثِيْر يَقُوْل تَعَالَى مُخْبِرا عَن قَوْل يَعْقُوْب لِابْنِه يُوَسُف حِيْن قَص عَلَيْه مَا رَأَى مِن هَذِه الْرُّؤْيَا الَّتِي تَعْبِيْرِهَا خُضُوْع إِخْوَتِه لَه وَتَعْظِيْمِهِم إِيَّاه تَعْظِيْما زَائِدا بِحَيْث يَخِرُّوْن لَه سَاجِدِيْن إِجْلَالا وَاحْتِرَاما وَإِكْرَاما فَخَشِي يَعْقُوْب - عَلَيْه الْسَّلَام - أَن يَحْدُث بِهَذَا الْمَنَام أَحَدا مِن إِخْوَتِه فَيَحْسُدُونَه عَلَى ذَلِك فَيَبْغُوْن لَه الْغَوَائِل حَسَدَا مِنْهُم لَه 0 وَلِهَذَا قَال لَه لَا تَقْصُص رُؤْيَاك عَلَى إِخْوَتِك فَيَكِيْدُوْا لَك كَيْدا ) أَي يَّحْتَالُوْن لَك حِيْلَة يُرَدُّوْنَك فِيْهَا ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – 2 / 450 ) 0

هـ- قَال تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : ( وَقَال يَابَنِى لَا تَدْخُلُوَا مِن بَاب وَاحِد وَادْخُلُوَا مِن أَبْوَاب مُّتَفَرِّقَة 000 الْآَيَة ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – الْآَيَة 67 ) 0

قَال ابْن كَثِيْر يَقُوْل تَعَالَى إِخْبَارا عَن يَعْقُوْب - عَلَيْه الْسَّلَام - إِنَّه أَمْر بَنِيْه لَمَّا جَهَّزَهُم مَع أَخِيْهِم بَنْيَامِين إِلَى مِصْر ؛ أَن لَّا يَدْخُلُوَا كُلُّهُم مِن بَاب وَاحِد وَلِيَدْخُلُوَا مِن أَبْوَاب مُّتَفَرِّقَة ، فَإِنَّه كَمَا قَال ابْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَمُجَاهِد وَالْضَّحَّاك وَقَتَادَة وَالْسُّدِّي وَغَيْر وَاحِد : أَنَّه خَشِي عَلَيْهِم الْعَيْن وَذَلِك أَنَّهُم كَانُوْا ذَوَى جَمَال وَهَيْئَة حَسَنَة وَمَنْظَر وَبَهَاء ، فَخَشِي عَلَيْهِم أَن يُصِيْبَهُم الْنَّاس بِعُيُوْنِهِم ، فَإِن الْعَيْن حَق تَسْتَنْزِل الْفَارِس عَن فَرَسِه ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – 2 / 466 ) 0

و - قَال تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : ( وَلَوْلَا إِذ دَخَلْت جَنَّتَك قُلْت مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه إِن تُرَن أَنَا أَقَل مِنْك مَالا وَوَلَدا ) ( الْكَهْف – الْآَيَة 39 ) 0

قَال ابْن كَثِيْر أَي هَلْا إِذ أَعْجَبَتْك حِيْن دَخَلْتُهَا وَنَظَرْت إِلَيْهَا حَمِدْت الْلَّه عَلَى مَا أَنْعَم بِه عَلَيْك وَأَعْطَاك مِن الْمَال وَالْوَلَد مَا لَم يُعْطِه غَيْرُك وَقُلْت مَا شَاء الْلَّه ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – 3 / 75 ) 0

ز – قَال تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : ( وَإِن يَكَاد الَّذِيْن كَفَرُوَا لَيُزْلِقُوْنَك 00 الْآَيَة ) ( الْقْلُم – الْآَيَة 51 ) 0
قَال ابْن كَثِيْر - رَحِمَه الْلَّه - فِي تَفْسِيْرِه قَال ابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرِهِمَا ( لَيُزْلِقُوْنَك ) لَيُنفُذُونَك ( بِأَبْصَارِهِم ) أَي يُعَيِّنُونَك بِأَبْصَارِهِم بِمَعْنَى يَحْسِدُونَك لِبُغْضِهِم إِيَّاك لَوْلَا وِقَايَة الْلَّه لَك وَحِمَايَتِه إِيَّاك مِنْهُم ، وَفِي هَذِه الْآَيَة دَلِيْل عَلَى أَن الْعَيْن إِصَابَتِهَا وَتَأْثِيْرَهَا حَق بِأَمْر الْلَّه عَز وَجَل ، كَمَا وَرَدَت بِذَلِك الْأَحَادِيْث الْمَرْوِيَّة مِن طُرُق مُتَعَدِّدَة كَثِيْرَة ) ( تَفْسِيْر الْقُرْآَن الْعَظِيْم – 4 / 409 ) 0

ح - قَال تَعَالَى فِي مُحْكَم كِتَابِه : ( قُل أَعُوْذ بِرَب الْفَلَق * مِن شَر مَا خَلَق * وَمِن شَر غَاسِق إِذَا وَقَب * وَمِن شَر النَّفَّاثَات فِى الْعُقَد * وَمِن شَر حَاسِد إِذَا حَسَد ) ( سُوْرَة الْفَلَق ) 0

قَال الْفَخْر الْرَّازِي : ( مِن الْمَعْلُوْم أَن الْحَاسِد هُو الَّذِي تَشْتَد مَحَبَّتِه لِإِزَالَة نِعْمَة الْغَيْر إِلَيْه ، وَلَا يَكَاد يَكُوْن كَذَلِك إِلَّا وَلَو تُمَكَّن مِن ذَلِك بَالحِيَل لِفِعْل ، فَلِذَلِك أَمَر الْلَّه بِالْتَّعَوُّذ مِنْه ، وَقَد دُخِل فِي هَذِه الْسُّوْرَة كُل شَر يَتَوَقَّى كُمِّه دَيْنَا وَدُنْيَا ، فَلِذَلِك لَمَّا نَزَلَت هَذِه الْسُّوْرَة فَرِح رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم بِنُزُولِهَا ، لِكَوْنِهَا مَع مَا يَلِيْهَا – يَعْنِي سُوْرَة الْنَّاس – جَامِعَة فِي الْتَّعَوُّذ لِكُل أَمْر ) ( الْتَّفْسِيْر الْكَبِيْر – 32 / 195 ) 0

* أَدِلَّة الْسُّنَّة الْمُطَهَّرَة :-

1)- عَن أَبِي أُمَامَة بْن سَهْل بْن حُنَيْف – رَضِي الْلَّه عَنْه – قَال : ( مَر عَامِر بْن رَبِيْعَة بِسَهْل بْن حُنَيْف وَهُو يَغْتَسِل ، فَقَال : لَم أَر كَالْيَوْم ، وَلَا جِلْد مُخَبَّأَة 0 فَمَا لَبِث أَن لُبِط بِه 0 فَأَتَى بِه الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَقِيْل لَه : أَدْرَك سَهْلَا صَرِيْعا قَال : ( مِن تَتَّهِمُون بِه ؟ ) قَالُوْا عَامِر ابْن رَبِيْعَة 0 قَال : ( عَلَام يَقْتُل أَحَدُكُم أَخَاه ؟ إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن أَخِيْه مَا يُعْجِبُه ، فَلْيَدْع لَه بِالْبَرَكَة ) ثُم دَعَا بِمَاء 0 فَأَمَر عَامِرا أَن يَتَوَضَّأ 0 فَغَسَل وَجْهَه وَيَدَيْه إِلَى الْمِرْفَقَيْن 0 وَرُكْبَتَيْه وَدَاخِلَه ازَارَه0 وَأَمَرَه أَن يَصُب عَلَيْه ) ( صَحِيْح الْجَامِع – 556 ) 0

قَال ابْن حَجَر فِي الْفَتْح : ( وَفِي الْحَدِيْث أَن الْإِصَابَة بِالْعَيْن قَد تَقْتُل 0 وَفِيْه أَن الْعَيْن قَد تَكُوْن مِن الْإِعْجَاب وَلَو بِغَيْر حَسَد ، وَلَو مِن الْرَّجُل الْمُحِب ، وَمَن الْرَّجُل الْصَّالِح 0 وَفِيْه أَن الَّذِي يُعْجِبُه الْشَّيْء يَنْبَغِي أَن يُبَادِر إِلَى الْدُّعَاء لِلَّذِي يُعْجِبُه بِالْبَرَكَة وَيَكُوْن ذَلِك رُقْيَة مِنْه ) ( فَتْح الْبَارِي - 10 / 215 ) 0

2)- عَن أَبِي هُرَيْرَة – رَضِي الْلَّه عَنْه – قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( الْعَيْن حَق ) ( مُتَّفَق عَلَيْه ) 0

قَال شَمْس الْحَق الْعَظِيم أَبَادِي " وَالْعَيْن " أَي أَثَرُهَا " حَق " وَتَحْقِيْقُه أَن الْشَّيْء لَا يُعَان إِلَا بَعْد كَمَالِه وَكُل كَامِل يَعْقُبُه الْنَقْص ، وَلَمَّا كَان ظُهُوْر الْقَضَاء بَعْد الْعَيْن أُضِيْف ذَلِك إِلَيْهَا قَالَه الْقَارِي 0 وَفِي فَتْح الْوَدُوْد : وَالْعَيْن حَق لَا بِمَعْنَى أَن لَهَا تَأْثِيْرا ؛ بَل بِمَعْنَى أَنَّهَا سَبَب عَادِي كَسَائِر الْأَسْبَاب الْعَادِيَّة يَخْلُق الْلَّه تَعَالَى عِنْد نَظَر الْعَائِن إِلَى شَيْء وَإِعْجَابَه مَا شَاء مِن أَلَم أَو هَلَكَة انْتَهَى ) ( عَوْن الْمَعْبُوْد – 10 / 259 ) 0

3)- عَن عَائِشَة - رَضِي الْلَّه عَنْهَا - قَالَت : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( اسْتَعِيْذُوَا بِالْلَّه مِن الْعَيَّن 0 فَإِن الْعَيْن حَق ) ( صَحِيْح الْجَامِع - 938 ) 0

قَال الْمُنَاوِي " اسْتَعِيْذُوَا بِالْلَّه مِن الْعَيَّن " أَي الْتَجِئُوْا إِلَيْه مِن شَر الْعَيْن الَّتِي هِي آَفَة تُصِيْب الْإِنْسَان وَالْحَيَوَان مَن نَظَر الْعَائِن إِلَيْه ، فَيُؤْثِر فِيْه فَيُمَرِّض أَو يَهْلَك بِسَبَبِه " فَإِن الْعَيْن حَق " أَي بِقَضَاء الْلَّه وَقَدَرِه لَا بِفِعْل الْعَائِن ؛ بَل يَحْدُث الْلَّه فِي الْمَنْظُوْر عِلَّة يَكُوْن الْنَّظَر بِسَبَبِهَا فَيُؤَاخُذِه الْلَّه بِجِنَايَتِه عَلَيْه بِالْنَّظَر ) ( فَيْض الْقَدِير – 492 ، 493 ) 0

4)- عَن جَابِر - رَضِي الْلَّه عَنْه - قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( أَكْثَر مَن يَمُوْت مِن أُمَّتِي بَعْد قَضَاء الْلَّه وَقَدَرِه بِالْعَيْن ) ( السِّلْسِلَة الْصَّحِيْحَة – 774 ) 0

قَال الْنَّوَوِي : ( فِي الْحَدِيْث إِثْبَات الْقَدَر ، وَهُو حَق ، بِالْنُّصُوص وَإِجْمَاع أَهْل الْسُّنَّة ، وَمَعْنَاه أَن الْأَشْيَاء كُلَّهَا بِقَدَر الْلَّه تَعَالَى ، وَلَا تَقَع إِلَا عَلَى حَسَب مَا قَدَّرَهَا الْلَّه تَعَالَى ، وَسَبَق بِهَا عِلْمِه ، فَلَا يَقَع ضَرَر الْعَيْن وَلَا غَيْرِه مِن الْخَيْر وَالشَّر إِلَّا بِقَدَر الْلَّه تَعَالَى 0 وَفِيْه صِحَّة أَمْر الْعَيْن ، وَأَنَّهَا قَوِيَّة الْضَّرَر 0 وَالْلَّه أَعْلَم ) ( صَحِيْح مُسْلِم بِشَرْح الْنَّوَوِي ) 0

5)- عَن جَابِر وَأَبِي ذَر - رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا - قَالَا : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( الْعَيْن تُدْخِل الْرَّجُل الْقَبْر ، وَتُدْخِل الْجَمَل الْقِدْر ) ( السِّلْسِلَة الْصَّحِيْحَة - 1249 ) 0

قَال الْمُنَاوِي " الْعَيْن تُدْخِل الْرَّجُل الْقَبْر " أَي تَقْتُلُه فَيُدْفَن فِي الْقَبْر ، " وَتُدْخِل الْجَمَل الْقِدْر " أَي : إِذَا أَصَابَتْه أَو أَشْرَف عَلَى الْمَوْت ذَبَحَه مَالِكِه وَطَبَخَه فِي الْقَدَر 0 وَهِذِا يَعْنِي أَن الْعَيْن دَاء وَالدَّاء يُقْتَل فَيَنْبَغِي لِلْعَائِن أَن يُبَادِر إِلَى مَا يُعْجِبُه بِالْبَرَكَة فَتَكُوْن رُقْيَة مِنْه ) ( فَيْض الْقَدِير – 4 / 397 ) 0

6)- عَن أَبِي ذَر - رَضِي الْلَّه عَنْه - قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( إِن الْعَيْن لَتُوَلِّع بِالْرَّجُل بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى ، حَتَّى يَصْعَد حَالِقا ثُم يُتَرَدَّى مِنْه ) ( السِّلْسِلَة الْصَّحِيْحَة – 889 ) 0

قَال الْمُنَاوِي : قَوْلُه : ( " إِن الْعَيْن " أَي : عَيْن الْعَائِن مِن الْإِنْسَان أَو الْجَان " لَتُوَلِّع " أَي : تُعَلِّق " بِالْرَّجُل " أَي : الْكَامِل فِي الْرُّجُوْلِيَّة ، فَالْمَرْأَة وَمَن هُو فِي سِن الْطُفُوْلَة أَوْلَى " بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى " أَي : بِتَمْكِيْنِه وَإِقْدَارِه " حَتَّى يَصْعَد حَالِقا " أَي جِبِلا عَالِيا " ثُم يُتَرَدَّى " أَي يَسْقُط " مِنْه " لِأَن الْعَائِن إِذَا تَكَيَّفَت نَفْسِه بِكَيْفِيَّة رَدِيْئَة انْبَعَثَت مِن عَيْنِه قُوَّة سُمِّيَّة تَتَّصِل بِه فَتَضُرُّه ، وَقَد خَلَق الْلَّه فِي الْأَرْوَاح خَوَاصّا تُؤْثِر فِي الْأَشْبَاح (أَي الْأَجْسَام) لَا يُنْكِرُهَا عَاقِل ، أَلَا تَرَى الْوَجْه كَيْف يَحْمَر لِرُؤْيَة مِن يَحْتَشِمُه وَيَصْفِر لِرُؤْيَة مِن يَخَافُه وَذَلِك بِوَاسِطَة تَأْثِيْر الْأَرْوَاح ، وَلِشِدَّة ارْتِبَاطِهَا بِالْعَيْن نَسَب الْفِعْل إِلَيْهَا وَلَيْسَت هِي الْفَاعِلَة بَل الْتَّأْثِيْر لِلْرُّوح فَحَسْب ) ( فَيْض الْقَدِير - 2 / 376 ) 0

7)- عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الْلَّه عَنْه - قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم الْعَيْن حَق ، تَسْتَنْزِل الْحَالِق ) ( السِّلْسِلَة الْصَّحِيْحَة - 1252 ) 0

قَال الْمُنَاوِي : ( " الْعَيْن حَق " أَي الْإِصَابَة بِالْعَيْن مِن جُمْلَة مَا تَحَقَّق كَوْنِه " تَسْتَنْزِل الْحَالِق " أَي الْجَبَل الْعَالِي 0 قَال الْحُكَمَاء : وَالْعَائِن يَبْعَث مَن عَيَّنَه قُوَّة سُمِّيَّة تَتَّصِل بِالْمَعَان فَيُهْلِك أَو يَهْلَك نَّفْسِه قَال وَلَا يَبْعُد أَن تَنْبَعِث جَوَاهِر لَطِيْفَة غَيْر مَرْئِيَّة مِن الْعَيَّن فَتَتَّصِل بِالْمُعَيِّن وَتَخَلَّل مَسَام بَدَنِه فَيَخْلُق الْلَّه الْهَلَاك عِنْدَهَا كَمَا يَخْلُقُه عِنْد شُرْب الْسُّم ، وَهُو بِالْحَقِيقَة فَعَل الْلَّه 0 قَال الْمَازِرِي : وَهَذَا لَيْس عَلَى الْقَطْع بَل جَائِز أَن يَكُوْن ، وَأْمُر الْعَيْن مُجَرَّب مَحْسُوْس لَا يُنْكِرُه إِلَّا مُعَانِد ) ( فَيْض الْقَدِير – 4 / 396 ) 0

- عَن جَابِر بْن عَبْدِالْلَّه - رَضِي الْلَّه عَنْه - قَال : رَخَّص الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم لِآَل حَزْم فِي رُقْيَة الْحَيَّة ، وَقَال لِّأَسْمَاء بِنْت عُمَيْس : ( مَالِي أَرَى أَجْسَام بَنِي أَخِي ضَارِعَة تُصِيْبُهُم الْحَاجَة ) قَالَت : لَا ، وَلَكِن الْعَيْن تُسْرِع إِلَيْهِم ، قَال : " ارْقِيْهِم " قَالَت : فَعَرَضْت عَلَيْه فَقَال : " ارْقِيْهِم " ) ( أَخْرَجَه الْإِمَام مُسْلِم فِي صَحِيْحِه – بِرَقْم 2198 ) 0

قَال الْقُرْطُبِي وَفِيْه أَن الْرُّقَى مِمَّا يُسْتَدْفَع بِه الْبَلَاء ، وَأَن الْعَيْن تُؤَثِّر فِي الْإِنْسَان وَتَضْرَعُه ، أَي تُضْعِفُه وَتَنَحَّلَه ، وَذَلِك بِقَضَاء الْلَّه تَعَالَى وَقَدَّرَه ) ( الْجَامِع لَأَحْكَام الْقُرْآَن – 9 / 226 ) 0

9)- عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الْلَّه عَنْه - قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم الْعَيْن حَق ، وَلَو كَان شَيْء سَابَق الْقَدَر سَبَقَتْه الْعَيْن ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُم فَاغْسِلُوا ) ( السِّلْسِلَة الْصَّحِيْحَة – 1252 ) 0

قَال الْنَّوَوِي : ( قَوْلُه : " لَو كَان شَيْء سَابَق الْقَدَر سَبَقَتْه الْعَيْن " فِيْه إِثْبَات الْقَدَر ، وَهُو حَق بِالْنُّصُوص وَإِجْمَاع أَهْل الْسُّنَّة 000 ، وَمَعْنَاه أَن الْأَشْيَاء كُلَّهَا بِقَدَر الْلَّه تَعَالَى ، وَلَا تَقَع إِلَا عَلَى حَسَب مَا قَدَّرَهَا الْلَّه تَعَالَى ، وَسَبَق بِهَا عِلْمِه فَلَا يَقَع ضَرَر الْعَيْن وَلَا غَيْرِه مِن الْخَيْر وَالشَّر إِلَّا بِقَدَر الْلَّه تَعَالَى ، وَفِيْه – أَي حَدِيْث الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم – صِحَّة أَمْر الْعَيْن وَأَنَّهَا قَوِيَّة الْضَّرَر 0 وَالْلَّه أَعْلَم ) ( صَحِيْح مُسْلِم بِشَرْح الْنَّوَوِي ) 0

10)- عَن أُم سَلَمَة - رَضِي الْلَّه عَنْهَا - زَوْج الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم رَأَى سَفْعَة فِي وَجْه جَارِيَة فِي بَيْت أُم سَلَمَة فَقَال : ( اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِن بِهَا الْنَّظْرَة ) ( مُتَّفَق عَلَيْه ) 0

قَال الْمُنَاوِي قَال الْطِّيْبِي : مَا يُرْقَى بِه مِن الْدُّعَاء لِطَلَب الْشِّفَاء " لَهَا " أَي اطْلُبُوْا لَهَا مِن يَرْقِيَهَا ، وَالْمُرَاد بِهَا مِن وَجْهِهَا سَفْعَة أَي أَثَر سَوَاد أَو غُبْرَة أَو صُفْرَة " فَإِن بِهَا الْنَّظْرَة " أَي بِهَا إِصَابَة عَيْن مَن بَعْض شَيَاطِيْن الْجِن أَو الْإِنْس 0 قَالُوْا : عُيُوْن الْجِن أُنَفِّذ مِن أَسِنَّة الْرِمَاح 0 وَالْشَّيَاطِيْن تَقْتُل بِيَدَيْهَا وَعُيُوْنَهَا كَبَنِي آَدَم ، كَمَا تَجْعَل الْحَائِض يَدَهَا فِي الْلَّبَن فَيُفْسِد 0 وَلِلْعَيْن نَظَر بِاسْتِحْسَان مَشُوْب بِحَسَّد مِن حَيْث الْطَّبْع يَحْصُل للْمَنْظُوّر ، وَفِيْه مَشْرُوْعِيَّة الرُّقْيَة ، فَلَا يُعَارِضُه الْنَّهْي عَن الرُّقْيَا فِي عِدَّة أَحَادِيْث كَقَوْلِه فِي الْحَدِيْث الْآتِي : ( الَّذِيْن لَا يَسْتَرْقُون وَلَا يَكْتَوُون ) لِأَن الرُّقْيَة الْمَأْذُوْن فِيْهَا هِي مَا كَانَت بِمَا يُفْهِم مَعْنَاه وَيَجُوْز شَرْعا ، مَع اعْتِقَاد أَنَّهَا لَا تُؤَثِّر بِذَاتِهَا بَل بِتَقْدِيْرِه تَعَالَى ، وَالْمَنْهِي عَنْهَا مَا فُقِد فِيْه شَرْط مِن ذَلِك ) ( فَيْض الْقَدِير – 1 / 490 ) 0

11)- عَن عَائِشَة – رَضِي الْلَّه عَنْهَا – أَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( أَمَرَهَا أَن تَسْتَرْقِي مِن الْعَيْن ) ( مُتَّفَق عَلَيْه ) 0

قَال الْحَافِظ بْن حُجْر فِي الْفَتْح أَي يَطْلُب الرُّقْيَة مِمَّن يَعْرِف الْرُّقَى بِسَبَب الْعَيْن ) ( فَتْح الْبَارِي – 10 / 201 ) 0

12)- عَن عَبْدِالْلَّه بْن عَامِر قَال : انْطَلَق عَامِر بْن رَبِيْعَة وَسَهْل بْن حُنَيْف يُرِيْدَان الْغُسْل ، قَال : فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَان الْخَمَر ، قَال : فَوَضَع عَامِر جُبَّة كَانَت عَلَيْه مِن صُوْف ، فَنَظَرْت إِلَيْه – أَي إِلَى سَهْل – فَأَصَبْتُه بِعَيْنِي فَنَزَل الْمَاء يَغْتَسِل ، قَال : فَسَمِعْت لَه فِي الْمَاء قَرْقَعَة فَأَتَيْتُه فَنَادَيْتُه ثَلَاثَا فَلَم يُجِبْنِي فَأَتَيْت الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَأَخْبَرْتُه ، قَال : فَجَاء يَمْشِي فَخَاض الْمَاء حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى بَيَاض سَاقَيْه ، قَال : فَضَرَب صَدْرَه بِيَدِه ثُم قَال : ( الْلَّهُم أَذْهِب عَنْه حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا - أَي الْتَّعَب - ) قَال : فَقَام ، فَقَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن أَخِيْه أَو مِن نَفْسِه أَو مَالِه مَا يُعْجِبُه ، فَلْيُبَرِّكْه ، فَإِن الْعَيْن حَق ) ( أَخْرَجَه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك - 3 / 411 ، 412 - 4 / 215 - وَقَال : حَدِيْث صَحِيْح الْإِسْنَاد وَلَم يُخَرِّجَاه وَوَافَقَه الْذَّهَبِي ، وَقَال الْأَلْبَانِي حَدِيْث صَحِيْح ، أَنْظُر صَحِيْح الْجَامِع 556 ) 0

قَال الْمُنَاوِي " إِذَا رَأَى " أَي عِلْم " أَحَدُكُم مِن نَفْسِه أَو مَالِه أَو مِن أَخِيْه " مِن الْنَّسَب أَو الْإِسْلَام" مَا يُعْجِبُه " أَي مَا يَسْتَحْسِنُه وَيَرْضَاه مِن أَعْجَبَه الْشَّيْء رَضِيَه " فَلْيَدْع لَه بِالْبَرَكَة " نَدْبا بِأَن يَقُوْل : الْلَّهُم بَارِك فِيْه وَلَا تَضُرُّه 0 وَيُنْدَب أَن يَقُوْل : مَا شَاء الْلَّه لَا قُوَّة إِلَّا بِالْلَّه ، " فَإِن الْعَيْن " أَي الْإِصَابَة بِالْعَيْن " حَق " أَي كَائِن يَقْضِي بِه فِي الْوَضْع الْإِلَهِي لَا شُبْهَة فِي تَأْثِيْرُهَا فِي الْنُّفُوْس فَضْلَا عَن الْأَمْوَال ، وَذَلِك لِأَن بَعْض الْنُّفُوْس الْإِنْسَانِيَّة يُثَبِّت لَهَا قُوَّة هِي مَبْدَأ الْأَفْعَال الْغَرِيْبَة ، وَيَكُوْن ذَلِك إِمَّا حَاصِلَا بِالْكَسْب كَالْرَّيَاضَة وَتَجْرِيد الْبَاطِن عَن الْعَلَائِق وَتَذْكَيْتِه ، فَإِنَّه إِذَا اشْتَد الْصَّفَاء وَالْذَّكَاء حَصَلَت الْقُوَّة الْمَذْكُوْرَة كَمَا يَحْصُل لِلْأَوْلِيَاء أَو بِالْمَزَاج ، وَالْإِصَابَة بِالْعَيْن يَكُوْن مِن الْأَوَّل وَالْثَّانِي ، فَالمَبَدأ فِيْهَا حَالَة نَفْسَانِيَّة مُعْجَبَة تُنْهَك الْمُتَعَجَّب مِنْه بِخَاصِّيَّة خَلَق الْلَّه فِي ذَلِك الْمِزَاج عَلَى ذَلِك الْوَجْه ابْتِلَاء مِن الْلَّه تَعَالَى لِلْعِبَاد ، لِيَتَمَيَّز الْمُحَق مِن غَيْرِه ) ( فَيْض الْقَدِير – 1 / 351 ) 0

13)- عَن صُهَيْب بْن سِنَان - رَضِي الْلَّه عَنْه – : ( أَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم كَان أَيَّام حُنَيْن يُحَرِّك شَفَتَيْه بَعْد صَلَاة الْفَجْر بِشَيْء لَم نَكُن نَرَاه يَفْعَلُه ، فَقُلْنَا : يَا رَسُوْل الْلَّه ، إِنَّا نَرَاك تَفْعَل شَيْئا لَم تَكُن تَفْعَلُه ، فَمَا هَذَا الَّذِي تَحَرَّك شَفَتَيْك ؟ قَال : إِن نَبِيّا فِيْمَن كَان قَبْلَكُم أَعْجَبَتْه كَثْرَة أُمَّتِه ، فَقَال : لَن يَرُوْم هَؤُلَاء شَيْء فَأَوْحَى الْلَّه إِلَيْه أَن خَيِّر أُمَّتَك بَيْن إِحْدَى ثَلَاث : إِمَّا أَن نُسَلِّط عَلَيْهِم عَدُوا مِن غَيْرِهِم فَيَسْتَبِيْحَهُم ، أَو الْجُوع ، وَإِمَّا أَن أُرْسِل عَلَيْهِم الْمَوْت 0 فَشَاوَرَهُم فَقَالُوَا ، أَمَّا الْعَدُو فَلَا طَاقَة لَنَا بِهِم ، وَأَمَّا الْجُوْع فَلَا صَبْر لَنَا عَلَيْه ، وَلَكِن الْمَوْت 0 فَأَرْسِل عَلَيْهِم الْمَوْت ، فَمَات مِنْهُم فِي ثَلَاثَة أَيَّام سَبْعُوْن أَلْفا 0 قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( فَأَنَا أَقُوْل الْآَن حَيْث رَأَى كَثْرَتَهُم : الْلَّهُم بِك أُحَاوِل ، وَبِك أُصَاوِل ، وَبِك أُقَاتِل ) ( قَال ابْن عَلَان فِي " شَرَح الْأَذْكَار " : أَخْرَجَه فِي أَمَالِيْه فِي " بَاب مَا يَقُوْل بَعْد الصَّلَاة " – قَال الْحَافِظ : حَدِيْث صَحِيْح أَخْرَجَه أَحْمَد - 4 / 332 - 333 ، وَأَخْرَج الْنَّسَائِي طُرُفا مِنْه ، وَأَخْرَج الْتِّرْمِذِي نَحْو الْقِصَّة بِسَنَدِه عَلَى شَرْط مُسْلِم ) 0

قَال ابْن عَلَان : ( وَلَعَل الْقَاضِي حُسَيْن أَشَار إِلَى هَذِه الْقِصَّة فِي قَوْلِه : ( إِن بَعْض الْأَنْبِيَاء نَظَر إِلَى قَوْمِه فَأُعْجَبُوه ، فَمَات مِنْهُم فِي يَوْم سَبْعُوْن أَلْفا ، فَأَوْحَى إِلَيْه إِنَّك عَنَتِهِم وَلَيْتَك إِذ عَنَتِهِم حَصُنَتِهُم بِقَوْل : حَصَنَتِكُم بِالْحِي القَيُّوْم الَّذِي لَا يَمُوْت أَبَدا ، وَدَفَعْت عَنْكُم الْسُّوْء بِلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَا بِاللَّه الْعَلِي الْعَظِيْم ! - قَال الْمُعَلَّق عَن الْقَاضِي حَسُن : وَكَان عَادَة الْقَاضِي – رَحِمَه الْلَّه – إِذَا نَظَر إِلَى أَصْحَابِه فَأَعْجَبَه سَمْتَهُم وَحُسْن حَالِهِم ، حِصْنَهُم بِهَذَا الْمَذْكُوْر ، وَالْلَّه أَعْلَم ) وَيَحْتَمِل إِنَّه أَرَاد غَيْرَهَا لِقَوْلِه : فَمَات فِي سَاعَة وَاحِدَه سَبْعُوْن أَلْفا ، وَالْلَّه أَعْلَم ) ( الْأَذْكَار لِّلْنَّوَوِي – بَاب مَا يَقُوْلُه إِذَا رَأَى مِن نَفْسِه أَو وَلَدِه أَو مَالِه أَو غَيَّر ذَلِك شَيْئا فَأَعْجَبَه وَخَاف أَن يُصِيْبَه بِعَيْنِه أَو يُتَضَرَّر بِذَلِك –تَحْقِيْق وَتَعْلِيْق–شُعَيْب الْأَرْنَاؤُوْط-ص 458–459 ، وَذَكَرَه الْدَّمِيْرِي فِي "حَيَاة الْحَيَوَان الْكُبْرَى" – 1 / 340 )

الشيخ الروحاني محمد الشربيني 00201030804409 انواع العين

قِبَل الْحَدِيْث عَن أَنْوَاع الْعَيْن وَتَفْصِيلاتِهَا ، لَا بُد مِن اسْتِدْرَاك الْأُمُور الْهَامَّة الْتَّالِيَة :-

1 )- إِن الْخَوْض فِي قَضَايَا الْتَشْخِيْص الْمُتَعَلِّقَة بِالْعَيْن لَا يُعْتَبَر خَوْضَا فِي مَسَائِل غَيْبِيَّة ، فَلِلْعَيْن أَعْرَاض وَآثـار تَدُل عَلَى حُدُوْثِهَا ، وَقَد مَر آَنِفا بَعْض الْأَحَادِيْث الْدَّالَّة عَلَى هَذَا الْمَفْهُوْم ، كَمَا ثَبَت مِن حَدِيْث أُم سَلَمَة – رَضِي الْلَّه عَنْهَا – أَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَة فِي وَجْهِهَا سَفْعَة فَقَال : ( اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِن بِهَا الْنَّظْرَة ) ( مُتَّفَق عَلَيْه ) ، وَقَوْل أَسْمَاء - رَضِي الْلَّه عَنْهَا - لِرَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم عَن أَوْلَاد جَعْفَر - رَضِي الْلَّه عَنْهُم - : ( إِن الْعَيْن تُسْرِع إِلَيْهِم ) كَمَا فِي الْحَدِيْث الثَّابِت آَنَف الْذِّكْر ، وَفِيْه دَلَالَة أَكِيْدَة عَلَى رُؤْيَة بَعْض الْأَعْرَاض الَّتِي يُمْكِن عَلَى ضَوْئِهَا تَحْدِيْد الْإِصَابَة بِالْعَيْن ، وَقَد تَكَلَّم أَهْل الْعِلْم فِي ذَلِك فَأَوْضَحُوَا الْأَثَر وَبَيِّنُوه كَمَا مَر مَعَنَا آَنِفا 0

2)- إِن العِلَاقَة مُطَّرِدَة بَيْن الْإِصَابَة بِالْعَيْن وَكَافَّة الْأَمْرِاض الْأُخْرَى الَّتِي تَتَعَلَّق بِالْنَّفْس الْبَشَرِيَّة كَالَصَرَع وَالْسِّحْر وَنَحْوِه ، وَقَد تَكُوْن الْأَعْرَاض مُشْتَرِكَة بَيْن كَافَّة تِلْك الْأَمْرَاض بِسَبَب تُسَلِّط الْأَرْوَاح الْخَبِيْثَة عَلَى الْإِنْسَان ، وَعَلَى ذَلِك فَلَا بُد لِلْمُعَالِج مَن تَوَخَّي الْدُّقَّة وَالْتَّرَيُّث وَعَدَم الاسْتِعْجَال فِي الْحُكْم عَلَى الْحَالَة ، وَدِرَاسَتِهَا دِرَاسَة عِلْمِيَّة مَوْضُوْعِيَّة
بِكَافَّة جَوَانِبِهَا لِتَّحْدِيْد الْدَّاء وَوَصَف الْدَّوَاء الْنَّافِع بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0

3)- إِن الْمَصْلَحَة الْشَّرْعِيَّة تُحَتِّم عَلَى الْمُعَالِج الْتَأَكُّد أَوْلَّا مِن سَلَامَة الْنَّاحِيَة الْعُضْوِيَّة الْخَاصَّة بِالْحَالَة الْمَرَضِيَّة ، وَذَلِك بِتَوْجِيْه الْنُصْح وَالْإِرْشَاد لِلْمَرِيْض بِإِجْرَاء الْفُحُوصَات الْطَّبِّيَّة الْلَّازِمَة لِلْتّثَبُّت مِن خُلُو الْحَالَة مِن الْأَمْرَاض العُضْوِيَّة 0

4)- لَا بُد مِن اهْتِمَام الْمُعَالِج اهْتِمَاما شَدِيْدا بِقَضِيَّة هَامَّة وَخَطِيْرَة تَتَعَلَّق بِظُهُوْر بَوَادِر الْإِصَابَة بِالْعَيْن لِبَعْض الْحَالَات الْمَرَضِيَّة مَع أَن الْحَالَة تُعَانِي أَصْلَا مِن مَرَض عُضْوِي مُعَيَّن ، وَهَذِه الَأَمْرَاض قَد تَكُوْن نَاتِجَة عَن أَسْبَاب عُضْوِيَّة بَحْتَة وَقَد تَكُوْن نَتِيجِة الْتَّعَرُّض لِلْإِصَابَة بِالْعَيْن وَالْحَسَد ، وَمِن هُنَا كَان لَا بُد لِلْمُعَالِج مِن الِاهْتِمَام بِنَاحِيَة الرُّقْيَة الْشَّرْعِيَّة فَقَط دُوْن الْتَّدَخُّل فِي الْقَضَايَا الْطَّبِّيَّة لِأَن هَذَا الْأَمْر يَدْخُل ضِمْن نِطَاق الْأُمُوْر الْغَيْبِيَّة الَّتِي تَخْفَى عَلَى الْمُعَالِج ، فَلَا نَسْتَطِيْع الْقَوْل أَن كُل حَالَة مَرَضِيَّة تُعَانِي مِن مَرَض الْسَّرَطَان كَانَت بِسَبَب الْتَّعَرُّض لِلْإِصَابَة بِالْعَيْن وَالْحَسَد ، وَهَذَا يُحَتِّم عَلَى الْمُعَالِج الِاهْتِمَام بِهَذَا الْجَانِب فَقَط وَتَقْدِيْم الْنُصْح وَالْإِرْشَاد لِلْمَرِيْض وَذَوِيْه لِلْاسْتِمْرَار فِي اتِّخَاذ الْأَسْبَاب الْحِسِّيَّة الْمُبَاحَة الْدَّاعِيَة لِلْشِّفَاء بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى مِن خِلَال مُرَاجَعَة الْمِصَحّات وَالْمُسْتَشْفَيِات وَالْأَطِبَّاء الْمُتَخَصِّصِيْن 0

وَقَد تَظْهَر آَثَار الْعَيْن عَلَى الْحَالَة الْمَرَضِيَّة أَثْنَاء الرُّقْيَة الْشَّرْعِيَّة وَيَبْدَأ الْمَرِيْض فِي الْشُّعُوْر بِالَتُحْسن ، مَع أَن الْمَرِيْض أَصْلَا قَام بِاتِّخَاذ كَافَّة الْوَسْائِل الْطَّبِّيَّة الْمُتَاحَة وَلَم تُفْلِح تِلْك الْوَسَائِل فِي تَخْفِيْف المُعَانَاة الْجَسَدَيَّة وَالْنَّفْسِيَّة لَه ، وَمَع ذَلِك فَإِن الْوَاجِب الْشَّرْعِي يُحَتِّم عَلَى الْمُعَالِج تَقْدِيْم الْنُّصْح وَالْإِرْشَاد لِلْمُتَابَعَة الْطَّبِّيَّة وَبِذَلِك نَجْمَع بَيْن اتِّخَاذ الْأَسْبَاب الْشَّرْعِيَّة وَالْأَسْبَاب الْحِسِّيَّة الْمُبَاحَة لِلْشِّفَاء ، وَفِي اتِّبَاع كُل ذَلِك خَيْر لِلْمَرِيْض بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0

5)- لَا بُد مِن الْتَّنْبِيْه تَحْت هَذَا الْعُنْوَان لِأَمْر هَام جَدَّا ، وَهُو عَدَم التَّسَرُّع فِي الْحُكْم عَلَى الْحَالَة الْمَرَضِيَّة ، خَاصَّة مِن قَبْل الْعَامَّة وَأَهْل وَأَقْرِبَاء الْمَرِيْض ، دُوْن اسْتِشَارَة أَهْل الْعِلْم وَالْدِّرَايَة وَالْخِبْرَة وَالْمُمَارَسَة ، وَقَد مَر آَنِفا أَن الْأَعْرَاض الْمُتَعَلِّقَة بِالْحَالَة الْمَرَضِيَّة ، قَد تَكُوْن بِسَبَب أَمْرَاض عُضْوِيَّة أَو قَد تَكُوْن نَاتِجَة عَن صَرَع الْأَرْوَاح الْخَبِيْثَة بِنَاء عَلَى أَفْعَال سِحْرِيَّة خَبِيْثَة ، أَو صَرَع عِشْق وَنَحْوِه ، وَهْنَا تَكْمُن أَهَمِّيَّة الْتَّرَيُّث وَالْتَّأَنِّي قَبْل اصْدَار الْتَشْخِيْص وَالْحُكْم عَلَى الْحَالَة ، وَسُؤَال مِن هُم أَهْل لِذَلِك وَالْأَخْذ بِنُصْحِهِم وَتَوَجِيْهَاتِهُم وَإِرْشَادَاتِهِم 0

وَفِيْمَا يَلِي أَذْكُر أَنْوَاع الْعَيْن عَلَى الْنَّحْو الْتَّالِي :

أ - مِن حَيْث جِهَة الْعَائِن :-

1- الْعَيْن الْإِنْسِيَّة 0

2- الْعَيْن الِجْنِيَّة 0

قَال ابْن الْقَيِّم - رَحِمَه الْلَّه - وَالْعَيْن عَيْنَان : عَيْن إِنْسِيَّة ، وَعَيْن جِنِّيَّة ، فَقَد صَح عَن أُم سَلَمَة - رَضِي الْلَّه عَنْهَا - أَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَة فِي وَجْهِهَا سَفْعَة ، فَقَال : ( اسْتَرْقُوا لَهَا ، فَإِن بِهَا الْنَّظْرَة ) ( مُتَّفَق عَلَيْه ) 0 ( الْطَّب الْنَّبَوِي – 164 ) 0

ب - مِن حَيْث الْتَّأْثِيْر وَالْفِعْل :

1)- الْعَيْن الْقَاتِلَة ( الْسَّمِّيَّة أَو الْنَّارِيَّة ) : وَيُؤَدِّي هَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن لِقَتْل الْمَعِيْن بِسَبَب الْتَّأْثِيْر الْشَّدِيْد الْحَاصِل نَتِيْجَة الْعَيْن الْسَّمِّيَّة ، أَو إِحْدَاث أَمْر لَا يُمْكِن تَدَارُكُه أَو عِلَاجِه ، بِحَيْث تُؤَدِّي إِلَى حُدُوْث تَلِف شَدِيْد فِي مَنَاطِق حَسَّاسَّة فِي الْجَسَد وَيَكُوْن نَتِيْجَتَهَا الْحَتْمِيَّة الْوَفَاة ، وَقَد ثَبَت مِن حَدِيْث جَابِر وَأَبِي ذَر - رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا - قَالَا : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( الْعَيْن تُدْخِل الْرَّجُل الْقَبْر، وَتُدْخِل الْجَمَل الْقِدْر ) ( السِّلْسِلَة الْصَّحِيْحَة - 1249 ) 0

2)- الْعَيْن الْمُعَطَّلَة ( الْمُتْلِفَة ) : وَهَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن يُؤَدِّي إِلَى إِتْلَاف الْعُضْو وَتَعْطِيْلِه عَن الْعَمَل بِشَكْل دَائِم ، وَيُقْسَم هَذَا الْنَّوْع إِلَى قِسْمَيْن :

أ )- الْعَيْن الْمُعَطَّلَة نَتِيْجَة الْتَّعَرُّض لِأَسْبَاب حِسِّيَّة : وَيُؤَدِّي هَذَا الْنَّوْع إِلَى تَعْطِيْل أَبَدِّي لِلْعُضْو نَتِيْجَة الْتَّعَرُّض لِسَبَب حِسِّي مُعَيَّن ، وَمِثَال ذَلِك أَن يُصَاب الْإِنْسَان بِالْعَمَى نَتِيْجَة تَعَرُّضِه لِحَادِث مُعَيَّن بِسَبَب الْإِصَابَة بِالْعَيْن ، وَهَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن لَا تُفْلِح مَعَه الرُّقْيَة الْشَّرْعِيَّة بِسَبَب الْآَثَار الَّتِي تِتْرِكْهَا الْعَيْن وَالَّتِي لَا يُمْكِن تَدَارَك نَتَائِجِهَا أَو عِلَاجِهَا 0

ب )- الْعَيْن الْمُعَطَّلَة دُوْن الْتَّعَرُّض لَأَيَة أَسْبَاب حِسِّيَّة مُعَيَّنَة : وَهَذَا الْنَّوْع يَتَأَتَّى فَجْأَة دُوْن أَن يَتَعَرَّض الْإِنْسَان لَأَيَة أَسْبَاب حِسِّيَّة مُحَدَّدَة ، وَمِثَال ذَلِك الْإِصَابَة بِالْعَمَى أَو الْشَّلَل وَعِنْد إِجْرَاء الْفُحُوصَات الْطَّبِّيَّة الْلَّازِمَة لَا تَتَبَيَّن أَيَّة أَسْبَاب عُضْوِيَّة مُعَيَّنَة لِذَلِك ، وَهَذَا الْنَّوْع تَنْفَعُه الرُّقْيَة الْشَّرْعِيَّة بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى إِن لَم تُصَل دَرَجَة الْعَيْن وَقُوَّتِهَا إِلَى حَد الْعَيْن الْسَّمِّيَّة وَالْلَّه تَعَالَى أَعْلَم 0

3)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِتَأْثِير مَرَضِي : وَهَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن يُؤَدِّي لِلْإِصَابَة بِالْأَمْرَاض الْمُتَنَوِّعَة ، وَقَد تَظْهَر بَعْض أَعْرَاض تِلْك الْعَيْن عَلَى الْمَرِيْض ، فَقَد ثَبَت مِن حَدِيْث جَابِر بْن عَبْدِالْلَّه – رَضِي الْلَّه عَنْه – قَال رَخَّص الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم لِآَل حَزْم فِي رُقْيَة الْحَيَّة، وَقَال لِّأَسْمَاء بِنْت عُمَيْس : ( مَالِي أَرَى أَجْسَام بَنِي أَخِي ضَارِعَة تُصِيْبُهُم الْحَاجَة ) قَالَت : لَا، وَلَكِن الْعَيْن تُسْرِع إِلَيْهِم ، قَال ارْقِيْهِم ) قَالَت : فَعَرَضْت عَلَيْه فَقَال : ( ارْقِيْهِم ) ( أَخْرَجَه الْإِمَام مُسْلِم فِي صَحِيْحِه – بِرَقْم 2198 ) ، وَقَد ثَبَت مِن حَدِيْث أُم سَلَمَة – رَضِي الْلَّه عَنْهَا – زَوْج الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال لِجَارِيَة فِي بَيْت أُم سَلَمَة رَأَى بِوَجْهِهَا سَفْعَة : ( اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِن بِهَا الْنَّظْرَة ) ( مُتَّفَق عَلَيْه ) ، وَهَذَا يُؤَكِّد أَن آَثَار الْعَيْن قَد تَظْهَر عَلَى الْمَعِين وَتُسَبِّب لَه الْأَمْرِاض وَالْأَسْقَام 0

سُئِل فَضِيْلَة الْشَّيْخ عَبْدِاللّه بْن عَبْدِالْرَّحْمَن الْجُبَّريّن الْسُّؤَال الْتَّالِي : ( هَل الْنِّسْيَان وَالْصُّدَاع وَالَدَوْخَة وَالنَّزِيف وَالْإِسْقَاط وَغَيْرِهَا لَهَا عُلَاقَة بِالْعَيْن أَو الْحَسَد أَو الْسِّحْر ؟

يَقُوْل الْشَّيْخ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم – رَحِمَه الْلَّه - : ( وَلَمَّا كَانَت الْإِصَابَة بِالْعَيْن مِن أَخْطَر الْأَمْرَاض كَمَا قِيَل ، إِنَّهَا تُوَرِّد الْبَعِيْر الْقَدْر ، وَتُدْخَل الْرَّجُل الْقَبْر ، وَتَشْتَرِك إِصَابَات " الْعَيْن " مَع الْأَمْرَاض الَّتِي تُصِيْب الْإِنْسَان عَلَى اخْتِلَاف أَنْوَاعِهَا وَتَفَاوَت آَثَارُهَا 0 وَقَد وَجَدْت الْنُّصُوص فِي الْوِقَايَة مِنْهَا عِنْد الْتَّخَوُّف مِن وَقَوْعِهَا ، وَالْعِلاج مِن إِصَابَتِهَا بَعْد وُقُوْعِهَا ) ( الْعَيْن وَالرُّقْيَة وَالاسْتِشْفَاء مِن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة – ص 5 ) 0

وَمِمَّا لَا شَك فِيْه أَن بَعْض الْأَمْرَاض الْمَعْرُوْفَة الْيَوْم قَد يَكُوْن سَبَبُهَا الْإِصَابَة بِالْعَيْن وَالْحَسَد ، وَيُسْتَغْرَب الْكَثِيْرُوْن مِن تِلَك الْحَقِيقَة ، بَل قَد يَقْدَح بَعْض الْأَطِبَّاء الْمُتَخَصِّصِيْن فِي ذَلِك ، وَقَد يَصِل الْأَمْر بِهِم دَرَجَة الْقَذْف وَالتَّهَجُّم وَاعْتِبَار ذَلِك الْكَلَام مِن الْهَرْطَقَات وَالخُزَعْبِّلَات ، وَادِّعَاء أَن الْعِلْم يَقِف ضِد ذَلِك بَل وَيُحَارِبُه ، مُعْتَمِدِين بِذَلِك عَلَى الْدِّرَاسَة الْنَّظَرِيَّة وَالْعَمَلِيَّة وَكَافَّة الْأَسَالِيْب وَالْوَسَائِل الْتِّقَنِيَّة الْحَدِيْثَة الَّتِي تُوَصِّل إِلَيْهَا الْطِّب الْحَدِيْث وَأَهْلِه ، وَمَع كُل ذَلِك فَلَا بُد مِن الْإِقْرَار وَالْإِذْعَان لِهَذِه الْحَقِيْقَة الْهَامَّة ، وَقَد قَرَّرْت الْنُّصُوص الْحَدِيْثِيَّة ذَلِك قَبْل أَلْف وَأَرْبَعِمِائَة سَنَة حَيْث ثَبَت مِن حَدِيْث جَابِر – رَضِي الْلَّه عَنْه – قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( أَكْثَر مَن يَمُوْت مِن أُمَّتِي بَعْد قَضَاء الْلَّه وَقَدَرِه بِالْعَيْن ) ( السِّلْسِلَة الْصَّحِيْحَة 747 ) 0

إِن انْتِشَار الْأَمْرِاض الْمُتَنَوِّعَة وَالْخَطِيْرَة وَمَوْت الْكَثِيْرِيْن مِن الْنَّاس نَتِيْجَة لِذَلِك لَا يَعْنِي مُطْلَقا أَن كَافَّة هَذِه الْأَمْرَاض أَمْرَاض عُضْوِيَّة بَحْتَة ، فَقَد تَكُوْن بَعْض تِلْك الْأَمْرَاض نَتِيْجَة الْتَّعَرُّض لِلْإِصَابَة بِالْعَيْن وَالْحَسَد ، وَلَم يُقَرِّر الْطِّب الْتَّخَصُّصِي بِكَافَّة فُرُوْعُه وَأَقْسَامُه فِي يَوْم مِن الْأَيَّام أَن فُلَانا قَد مَات نَتِيْجَة لِلْإِصَابَة بِدَاء الْعَيْن وَالْحَسَد ، وَهَذَا الْكَلَام لَا يَعْنِي مُطْلَقا أَن كَافَّة الْأَمْرِاض الْمَوْجُوَدَّة عَلَى الْسَّاحَة الْيَوْم تَعَزَّى نَتِيْجَتَهَا لِلْإِصَابَة بِهَاذِين الدَاءَين الْعَظِيْمَيْن ، فَلَا إِفْرَاط وَلَا تَفْرِيْط ، بَل إِن الْوَاجِب الْشَّرْعِي يُحَتِّم اتِّخَاذ كَافَّة الْأَسْبَاب الْشَّرْعِيَّة وَالْحِسِّيَّة الْمُبَاحَة لِلِاسْتِشْفَاء مِن كَافَة الْأَمْرِاض عَلَى اخْتِلَاف أَنْوَاعِهَا وَمَرَاتِبِهَا ، وَمَن ثُم فَلَا بُد مِن الِاعْتِرَاف بِهَذِه الْحَقِيقَة الْهَامَة الَّتِي سَوْف تُوَفِّر الْفُرْصَة الْمُوَاتِيَة لِعِلاج كَافَّة الْأَمْرِاض سَوَاء كَانَت عُضْوِيَّة أَو رُوْحِيَّة عَن طَرِيْق مُرَاجَعَة الْمِصَحّات وَالْمُسْتَشْفَيِات وَالْأَطِبَّاء الْمُتَخَصِّصِيْن ، وَكَذَلِك اللُّجُوء لِلْرُّقْيَة الْشَّرْعِيَّة الثَّابِتَة فِي الْكِتَاب وَالْسُّنَّة ، وَالتَيْقّن بِأَن الْشِّفَاء مِن الْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى وَحْدَه 0
وَيُقْسَم هَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن إِلَى قِسْمَيْن :

أ - الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالْأَمْرَاض الْعُضْوِيَّة الْمَعْرُوْفَة : وَهَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن يُؤَدِّي إِلَى أَمْرَاض عُضْوِيَّة تُحَدِّد وَتُشَخِّص مِن قَبْل الْأَطِبَّاء وَالْمُتَخَصِّصِيْن وَتَكُوْن مَعْرُوْفَة لَدَيْهِم كَمَرَض الْسَّرَطَان وَالْسِّل وَنَحَو ذَلِك مِن أَمْرَاض مُتَنَوِّعَة أُخْرَى ، وَيَكُوْن الْأَصْل فِي هَذِه الْأَمْرَاض نَتِيْجَة الْتَّعَرُّض لِلْإِصَابَة بِالْعَيْن وَالْحَسَد ، وَيُقْسَم هَذَا الْنَّوْع إِلَى الْأَنْوَاع الْتَّالِيَة :

1)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالْآلَام وَالْأَسْقَام :-

أ- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِأَلَم عُضْوِي ذَا تَأْثِيْر كُلِّي : وَفِيْه يَتَعَرَّض الْمَعِيْن لِأَمْرَاض وَآَلَام تُصِيْب جَمِيْع أَنْحَاء الْجَسَد ، وَيَشْعُر مِن خِلَال ذَلِك بِالْتَّعَب وَالْإِرْهَاق وَالْخُمُول وَعَدَم الْقُدْرَة عَلَى الْقِيَام بِالْأَعْمَال الْدَّوْرِيَّة الْمُعْتَادَة 0

ب- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِأَلَم عُضْوِي ذَا تَأْثيرَجُزْئي : وَفِيْه يَتَعَرَّض الْمَعِيْن لِمَرَض يَتَرَكَّز فِي جِهَة مُحَدَّدَة مِن الْجَسَد ، وَلَه أَعْرَاض مُعَيَّنَة ، وَعِنْد قِيَام الْمَرِيْض بِالْفَحْص الْطَّبِّي يَتَبَيَّن وُجُوْد أَسْبَاب طِبِّيَّة نَتِيْجَة لِتِلْك المُعَانَاة 0

ج- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِأَلَم عُضْوِي مُتَنَقِّل : وَفِيْه يَتَعَرَّض الْمَعِيْن لِأَمْرَاض وَآَلَام مُتَنْقَّلة فِي جَمِيْع أَنْحَاء الْجَسَد ، فَتَارَة يَشْعُر بِأَلَم فِي الْرَّأْس وَتَارَة أُخْرَى يَشْعُر بِأَلَم فِي الْمَفَاصِل وَهَكَذَا 0

2)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِإِحْدَاث تَشَنُّجَات عَصَبِية : وَتَنْقَسِم إِلَى قِسْمَيْن :

أ- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِإِحْدَاث تَشَنُّجَات عَصَبِيَّة قَصِيْرَة الْأَمَد : وَفِيْه يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن فَتْرَة لَأُخْرِى لتَشَنُّجَات عَصَبِيَّة دُوْن أَن تُحَدِّد بِزَمَان أَو مَكَان ، وَتَسْتَمِر تِلْك الْتَّشَنُّجات لَفَتَرَات قَصِيْرَة الْأَمَد نَسَبِيَّا ، وَقَد تِرْتَبِط تِلْك الْتَّشَنُّجات أَحْيَانَا مَع الْمُؤَثِّرَات الاجْتِمَاعِيَّة لِلْمَرِيْض كَالْغَضَب وَالْفَرَح وَنَحْوِه ، وَتُعْتَمَد تِلْك الْتَّشَنُّجات فِي قُوَّتِهَا عَلَى قُوَّة الْعَيْن وَالْحَسَد 0

ب- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِإِحْدَاث تَشَنُّجَات عَصَبِيَّة طَوِيْلَة الْأَمَد : وَفِيْه يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن فَتْرَة لَأُخْرِى لتَشَنُّجَات عَصَبِيَّة دُوْن أَن تُحَدِّد بِزَمَان أَو مَكَان ، وَتَسْتَمِر تِلْك الْتَّشَنُّجات لَفَتَرَات طَوِيْلَة نَسَبِيَّا ، وَقَد تِرْتَبِط تِلْك الْتَّشَنُّجات أَحْيَانَا مَع الْمُؤَثِّرَات الْخَارِجِيَّة لِلْمَرِيْض كَمَا أَشَرْت فِي الْفِقْرَة الْسَّابِقَة ، وَتُعْتَمَد تِلْك الْتَّشَنُّجات فِي قُوَّتِهَا عَلَى قُوَّة الْعَيْن وَالْحَسَد 0

3)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة فِي تَعْطِيْل الْحَوَاس الْعُضْوِيَّة : وَتَنْقَسِم إِلَى قِسْمَيْن :

أ )- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة فِي تَعْطِيْل الْحَوَاس الْعُضْوِيَّة الْدَّائِم : يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن خِلَال هَذَا الْنَّوْع لِتَّعْطِيْل الْحَوَاس الْخَاصَّة بِالْسَّمْع وَالْإِبْصَار وَالشَّم تَعْطِيَلا دَائِمَا ، فَلَا تَعُوْد تِلْك الْحَوَاس لِلْمَعِين إِلَا بَعْد انْتِهَاء الْعَيْن وَشِفَاء الْمَرِيْض بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى 0

ب)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة فِي تَعْطِيْل الْحَوَاس الْعُضْوِيَّة الْمُؤَقَّت : يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن خِلَال هَذَا الْنَّوْع لِتَّعْطِيْل الْحَوَاس الْخَاصَّة بِالْسَّمْع وَالْإِبْصَار وَالشَّم تَعْطِيَلا مُؤَقَّتَا ، وَيَتَقَلَّب الْحَال مِن وَقْت إِلَى وَقْت وَمِن زَمَن إِلَى زَمَن 0

4)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالشَّلَل الْعُضْوِي : وَتَنْقَسِم إِلَى :

أ)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالشَّلَل الْعُضْوِي الْكُلِّي : يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن خِلَال هَذَا الْنَّوْع لَشِلَل عُضْوِي كُلِّي فِي جَمِيْع أَنْحَاء الْجَسَد ، فَلَا يَسْتَطِيْع الْمَرِيْض الْحَرَاك مُطْلَقا ، وَلَا تَعُوْد لَه عَافَيْتَه إِلَا بَعْد انْتِهَاء الْعَيْن بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى 0

ب)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالشَّلَل الْعُضْوِي الْجُزْئِي : يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن خِلَال هَذَا الْنَّوْع لَشِلَل عُضْوِي جُزْئِي يَخْتَص بِمِنْطَقَة مُعَيَّنَة كَالْيَد أَو الْقِدَم أَو الْرَّأْس وَنَحْوِه ، وَيَبْقَى الْعُضْو مُعَطَّلَا فَتْرَة مِّن الْزَّمَن ثُم يَعُوْد إِلَى سَابِق عَهْدَه ، وَتَنْتَهِي المُعَانَاة بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى عِنْد انْتِهَاء الْعَيْن 0

ج)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالشَّلَل الْعُضْوِي الْمُتَنَقِّل : يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن خِلَال هَذَا الْنَّوْع لَشِلَل عُضْوِي جُزْئِي مُتَنَقِّل ، فَتَارَة يُصِيْب الْشَّلَل مِنْطَقَة الْيَد ، وَتَارَة أُخْرَى مِنْطَقَة الْقَدَم وَهَكَذَا ، وَلَا يَنْقَطِع هَذَا الْأَمْر إِلَا بَعْد انْتِهَاء الْعَيْن بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى 0

5)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالْخُمُول : وَتَنْقَسِم إِلَى قِسْمَيْن :

أ)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالْخُمُول الْدَّائِم : يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن خِلَال هَذَا الْنَّوْع لَخُمُوْل دَائِم يَنْتَاب جَمِيْع أَنْحَاء الْجِسْم ، فَيَشْعُر الْمَرِيْض دَائِمَا بِالْفُتُور وَالْخُمُول وَعَدَم الْقُدْرَة عَلَى الْعَمَل أَو مُمَارَسَة أَي نَشَاط يُذْكَر 0

ب)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالْخُمُول الْمُؤَقَّت : يَتَعَرَّض الْمَعِيْن مِن خِلَال هَذَا الْنَّوْع لَخُمُوْل مُؤَقَّت يَنْتَابُه بَعْض الْفَتَرَات وَتَتَرَاوَح نِسَبَة ذَلِك الْخُمُول بِحَسَب قُوَّة الْعَيْن وَتَأْثِيْرَهَا ، فَيَشْعُر الْمَرِيْض أَحْيَانا بِالْفُتُور وَالْخُمُول وَعَدَم الْقُدْرَة عَلَى الْعَمَل أَو مُمَارَسَة أَي نَشَاط يُذْكَر ، وَتَارَة أُخْرَى يَكُوْن نَشِيْطا قَوِيّا يَعِيْش كَأَي إِنْسَان طَبِيْعِي آَخَر 0

6)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة فِي حُصُوْل الِاسْتِحَاضَة : وَعَادَة مَا يُصِيْب هَذَا الْنَّوْع الْنِّسَاء 0

ب - العَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالْأَمْرَاض الْعُضْوِيَّة غَيْر الْمَعْرُوْفَة : وَطَبِيْعَة هَذِه الْأَمْرَاض أَنَّهَا لَا تَشْخَص مِن قَبْل الْأَطِبّاء وَلَا يَقِفُوْا عَلَى الْأَسْبَاب الْحَقِيقِيَّة وَرَائِهَا ، وَهُنَا لَا بُد مِن الْإِشَارَة لِنُقْطَة هَامَّة جَدَّا وَهِي أَن بَعْض الْأَمْرَاض لَم يَقِف الْطِّب عَلَى حَقَّيْقَتِهَا وَمَعْرِفَة أَسْبَابُهَا لِعَدَم تَوَفُّر الْإِمْكَانَات الْطَّبِّيَّة أَو الْعِلْمِيَّة الْمُتَاحَة لاكْتُشَافِهَا وَالْوُقُوْف عَلَى حَقَّيْقَتِهَا ، وَالْمَقْصُوْد مِن الْكَلَام الْسَّابِق أَن كُل مَرَض لَم يَقِف الْطِّب عَلَى حَقِيْقَتِه لَا يَعْنِي مُطْلَقا أَنَّه تَأْتِى بِسَبَب الْإِصَابَة بِالْعَيْن وَالْحَسَد ، وَمِن هُنَا كَان الْوَاجِب يُحَتِّم الْدِّرَاسَة الْعِلْمِيَّة الْمَوْضُوْعِيَّة الْمُسْتَفِيْضَة لِلْحَالَة لِّلْوُقُوْف عَلَى الْأَسْبَاب الْرَّئِيْسَة لِلْمُعَانَاة وَالْأَلَم وَالاهْتِمَام بِالْجَانِب الْدِّيْنِي وَالْمُتَمَثِّل فِي الرُّقْيَة الْشَّرْعِيَّة ، وَكَذَلِك الْتَرْكِّيز عَلَى الْجَوَانِب الْطَّبِّيَّة الْأُخْرَى فِي الِاسْتِشْفَاء وَالْعِلاج ، وَمِن هُنَا يَكْتَمِل الْبَحْث وَالَّدِّرَاسَة فِي الْأَسْبَاب الْشَّرْعِيَّة وَالْحِسِّيَّة الَّتِي تَسْعَى بِمُجْمَلِهَا لِتَّقْدِيْم جَل مَا تَسْتَطِيْع لِخِدْمَة الْإِسْلام وَالْمُسْلِمِيْن وَتَحْقِيْق الْمَصْلَحَة الْشَّرْعِيَّة مِن وَرَاء ذَلِك ، وَتُقَسَّم تِلْك الْأَمْرَاض إِلَى قِسْمَيْن :

1)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالْأَمْرَاض الْعُضْوِيَّة ذَات الْتَّأْثِيْر الْكُلِّي الْدَّائِم : وَيُؤَدِّي هَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن لِلْآلَام وَالْأَوْجَاع الْمُسْتَمِرَّة وَالْعَامَّة فِي جَمِيْع أَنْحَاء الْجَسَد ، وَقَد تَتَنَقَّل تِلْك الْآَلَام مِن عُضْو لِآِخَر دُوْن تَحْدِيْد وَتَشْخِيْص أَعْرَاضَهَا مَن الْنَّاحِيَة الْطَّبِّيَّة 0

2)- الْعَيْن الْمُؤَثِّرَة بِالْأَمْرَاض الْعُضْوِيَّة ذَات الْتَّأْثِيْر الْجُزْئِي الْدَّائِم : وَتُؤَدِّي لِلْآلَام وَالْأَوْجَاع الْمُسْتَمِرَّة وَلَكِنَّهَا تَخْتَص بِعُضْو مِن أَعْضَاء الْجِسْم الْبَشَرِي ، وَكَذَلِك لَا يَتِم تَشْخِيْص تِلْك الْأَعْرَاض مِن النَّاحِيَة الْطَّبِّيَّة 0

4)- الْعَيْن الْسَّبَبِيَّة الْوَقْتِيَّة : وَهَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن يُصِيْب الْإِنْسَان بِسَبَب مَظْهَرِه وَنَشَاطَه وَحَرَكَتُه ، وَيُقْسَم إِلَى قِسْمَيْن :
أ - عيَن تَأْثِيْر سَبَبِي وَقْتِي تَتَعَلَّق بِالْعَمَل وَالْفِعْل : وَيُؤَثِّر هَذَا الْنَّوْع عَلَى عَمَل وَفَعَل الْمُصَاب ، وَيَتَعَلَّق بِجَانِب مُعَيَّن فِي حَيَاة الْمَعِيْن ، دُوْن ظُهُوْر أَيَّة آَثَار جَانِبِيَّة أُخْرَى مُتَعَلِّقَة بِحَيَاتِه الْعَامَّة أَو الْخَاصَّة ، وَتِلْك بَعْض الْنَمَاذِج عَلَى هَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن :-

* تُؤَدِّي لِلْصُّدُود عَن الْدِّرَاسَة وَالْمُذَاكَرَة بِسَبَب الْتَّفَوُّق الْدِّرَاسِي ، وَتَتَعَلَّق بِهَذَا الْجَانِب فِي حَيَاة الْمُعَيَّن دُوْن أَن تُتْرَك أَيَّة آَثَار جَانِبِيَّة أُخْرَى تَتَعَلَّق بِحَيَاتِه الْزَّوْجِيَّة أَو الْأُسَرِيَّة وَنَحْوِه 0

* تُؤَدِّي لِكَرَاهِيَة الْتَّدْرِيس وَكَرَاهِيَة كُل مَا يَتَعَلَّق بِهَذَا الْجَانِب ، بِسَبَب النَّشَاط وَالْجِد وَالْمُثَابَرَة دُوْن أَن يَتَعَدَّى ذَلِك الْأَثَر الْجَوَانِب الْأُخْرَى فِي حَيَاة الْمَرِيْض كَمَا أَشَرْت فِي الْنُّقْطَة الْسَّابِقَة 0

* تُؤَدِّي لِكَرَاهِيَة الْمَنْزِل ، وَالْشُّعُوْر بِضِيْق شَدِيْد أَثْنَاء التَّوَاجِد فِيْه ، بِسَبَب الْتَصَمِيم وَالدَيُكُوّر وَالْأَثَاث وَنَحْوِه ، وَكَذَلِك يَكُوْن الْتَّأْثِيْر مُتَعَلِّقَا فَقَط بِهَذَا الْجَانِب دُوْن الْتَّأْثِيْر عَلَى الْجَوَانِب الْأُخْرَى 0
ب - عَيْن تَأْثِيْر سَبَبِي وَقْتِي تَتَعَلَّق بِالْمَظْهَر وَالشَّكْل : وَيُؤَثِّر هَذَا الْنَّوْع عَلَى مُظْهَر أَو شَكْل الْمُصَاب ، دُوْن الْتَّأْثِيْر عَلَى الْمُظَاهِر الْأُخْرَى ، بِسَبَب أَن الْعَيْن قَد أَصَابَت هَذَا الْمَظْهَر دُوْن غَيْرِه مِن الْمَظَاهِر الْأُخْرَى ، كَالْجَمَال أَو نُعُوْمَة الْشِعَر وَنَحْوِه ، وَتِلْك بَعْض الْنَمَاذِج عَلَى هَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن :

* تُؤَدِّي لِكَرَاهِيَة لَبِس الْحِلِّي خَاصَّة الْذَّهَب بِالْنِّسْبَة لِلْنِّسَاء وَعَدَم الْقُدْرَة عَلَى فِعْلِه ، وَحَال الْقِيَام بِذَلِك فَقَد يُؤَدِّي لتَقَرِحَات شَدِيْدَة ، أَو ضَيَّق شَدِيْد فِي الْصَّدْر ، وَتَشْعُر الْمَرْأَة مَعَهَا بِعَدَم ارْتِيَاح ، وَلَا يَنْفَك عَنْهَا ذَلِك الْشُعُور إِلَا بِخَلْعِهِا لِتِلْك الْحِلِّي الْذَّهَبِيَّة ، أَو قَد يُؤَدِّي ذَلِك لِفُقْدَانِهَا أَو كَسْرِهَا أَو تَلَفَهَا ، وَقَد يَحْصُل كُل ذَلِك بِسَب ظُهُوْر الْمَرْأَة مُتَزَيِّنَة
بِالْحُلِي بِشَكْل مُلْفِت لِلْنَّظَر 0

* تُؤَدِّي لِعَدَم الْقُدْرَة عَلَى إِرْضَاع الْمَوْلُوْد ، أَو عَدَم قَبُوْل الْمَوْلُوْد الرَّضَاعَة مِن الْأُم ، بِسَبَب قِيَامِهَا بِذَلِك أَمَام بَعْض الْنِّسْوَة 0

* تُؤَدِّي لِتَسَاقُط الْشَّعْر ، وَأَحْيَانا قَد يُؤَدِّي لِلْصُّلْع ، خَاصَّة عِنْد بَعْض الْنِّسَاء مِمَّن اشْتَهَرْن بِنُعُوْمَة شُعُوْرِهِن وَجِمَالُه وَطُوْلُه 0

مَع الْأَخْذ بِعَيْن الاعْتِبَار مُرَاجَعَة الْمُسْتَشْفَيَات وَالمَصحّات وَالأَخِصائِيِّين لِإِجْرَاء كَافَّة الْفُحُوصَات الْطَّبِّيَّة الْلَّازِمَة لِتَحْلِيل تِلْك الْأَعْرَاض وَالْوُقُوْف عَلَى حَقَّيْقَتِهَا وَأَسْبَابِهَا الْرَّئِيْسَة ، وَقَد تَكُوْن الْأَسْبَاب الْخَاصَّة بِالْحَالَة الْمَرَضِيَّة مُتَعَلِّقَة بِأَمْرَاض طِبِّيَّة ، وَمِن هُنَا كَان لَا بُد لِلْمُعَالِج مِن الِاهْتِمَام غَايَة الاهْتِمَام بِكَافَّة الْجَوَانِب الْمُتَعَلِّقَة بِالْحَالَة وَدِرَاسَتِهَا دِرَاسَة عِلْمِيَّة مَوْضُوْعِيَّة مُسْتَفِيْضَة لِيَسْتَطِيْع أَن يَقُوْم بِعَمَلِه عَلَى الْوَجْه الْمَطْلُوْب 0

5)- الْعَيْن أَو الْنَّفْس الْعَارِضَة ( الْإِعْجَاب - الْغِبْطَة ) : وَهَذَا الْنَّوْع مِن أَنْوَاع الْعَيْن عَادَة مَا يُصِيْب الْإِنْسَان أَو الْأُمُور الْعَيْنِيَّة كَالْبَيْت وَالْسَّيَّارَة ، وَمَا يُمَيِّز ذَلِك الْنَّوْع أَن الْعَائِن لَا يَتَمَنَّى وَلَا يَقْصِد زَوَال الْنِّعْمَة لِلْشَّيْء الْمَعِيْن ، بِقَدَر إِعْجَابُه وَحُبَّه لِتَمْلِكَه فَتَقَع الْعَيْن وَيَقَع تَأْثِيْرُهَا بِإِذْن الْلَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى 0

قَال الْأَصْفَهَانِي مُّبِيْنا الْفِرَق بَيْن الْغِبْطَة وَالْمَنِافَسَة : ( فَمَجَرَّد تَمَنِّي مِثْل خَيْر يَصِل إِلَى غَيْرِه فَهُو غِبْطَة ، وَإِن زَاد عَلَى الْتَّمَنِّي بِالْسَّعْي لِبُلُوْغ مِثْل ذَلِك الْخَيْر أَو مَا فَوْقَه فَمُنافَسة ) ( الْذَّرَيْعَة إِلَى مَكَارِم الْشَّرِيْعَة – ص 144 ) 0

قَال الْشَّيْخ مُحَمَّد الْأَمِيْن الْمُخْتَار الْشِّنْقِيْطِي وَقَد يُطْلَق عَلَيْه - أَي الْعَيْن - أَيْضا الْحَسَد ، وَقَد يُطْلَق الْحَسَد وَيُرَاد بِه الْغِبْطَة ، وَهُو تَمَنِّي مَا يَرَاه عِنْد الْآَخَرِيْن مِن غَيْر زَوَالُه عَنْهُم ) ( أَضْوَاء الْبَيَان – 9 / 644 ) 0

فَائِدَة مُهِمَّة : لَا يَقْتَصِر تَأْثِيْر الْعَيْن عَلَى الْإِنْسَان فَقَط ، فَقَد يَتَعَدَّى تَأْثِيْر الْعَيْن لِغَيْر الْإِنْسَان مِن حَيَوَان وَجَمَاد وَهَذَا مَا أَكَّدَتْه الْنُّصُوص الْحَدِيْثِيَّة وَبَيْنَه أَهْل الْعِلْم الْأَجِلَّاء ، وَمَا تَوَاتَرَت بِه الرِّوَايَات ، وَقَد حَصَل مَعِي كَثِيْر مِن الْمُشَاهَدَات الَّتِي لَا تُعَد وَلَا تُحْصَى 0

يَقُوْل الْشَّيْخ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم – رَحِمَه الْلَّه - : ( وَقَد تُصِيْب الْعَيْن غَيْر الْإِنْسَان مِن حَيَوَان وَجَمَاد ، وَمِن ذَلِك مَا سَاقَه ابْن عَبْدِالْبَر ايْضا عَن الْأَصْمَعِي قَال : رَأَيْت رَجُلا عَيُونا سَمِع بَقَرَة تَحْلُب فَأَعْجَبَه صَوْت شَخْبِهَا ، فَقَال : أَيَّتُهُن هَذِه ؟ 00 قَالُوْا الْفُلَانِيَّة ، لِبَقَرَة أُخْرَى ، يُوْرُوْن عَنْهَا فَهَلَكَتَا جَمِيْعا 000 الْمُوَرَّي بِهَا وَالْمُوْري عَنْهَا 00 ) ( الْعَيْن وَالرُّقْيَة وَالاسْتِشْفَاء مِن الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة – ص 15 ) 0